ولا يخشى من الأرق إلا إذا كان عارضاً من أعراض مرض مقبل قادم، أو إذا جاء من ناحية نوع المعيشة نفسها ويكون الضرر منه محساً منه صاحبه بينا له. وهذا النوع من الأرق لا يحدث من فقد النوم، ولكن يرجع إلى أحوال خفية أخرى فإن الكلى المريضة والقلب الضعيف والجهاز الهضمي المختل الفاسد تذهب النوم وترنق العيش وتحدث الأرق.
وسواد الذين نلتقي بهم في مستوصفات الأطباء من الذين يشكون الأرق هم في الغالب أصحاء البدن أقوياء لا يعتور صحتهم شيء من المرض أو الاعتلال ولكنهم إما أن يكونوا قد عرضوا بأنفسهم إلى انهماك شديد ثم لم يستعيدوا ما فقدوه وأما أن يكونوا قد اعتادوا أن يأخذوا بأسباب معيشة فاسدة غير صحية تمنعهم من أن يستوفوا قسطهم من الراحة والنوم الهنيء الرفيق، وفي هذه الحال لا يحتاج في تخفيف آلامهم إلا إلى معالجة هذه المعيشة نفسها وردهم إلى معيشة صحية صالحة، من ناحية الطعام والعمل واللهو والرياضة.
ثم هناك طائفة من المصابين بالأرق يكون أرقهم عارضاً من أعراض مرض من الأمراض إما من ناحية الأعصاب أو المخ وغالباً الكلي أو القلب أو الهضم. وهم لا يحتاجون إلى معالجة أرقهم وإنما إلى وسائل تمنع ازدياد الأرق واشتداده.
ويلي هؤلاء جماعة هم أشد عناداً وإصراراً وإرهاقاً من بقية الشاكي الأرق، لأن أرقهم لا وجود له إلا في أذهانهم وهؤلاء لا وسيلة للطبيب معهم إلا أن يداويهم بأذهانهم نفسها، وذلك بأن يجعلهم يعتقدون أنهم ليسوا مصابين بالأرق. وهذا الضرب من العلاج يدخل في حدود علاج الوهم.
هذا وتصور إنك في ليلة صاحية أضحيانة وقد اضطجعت في فراشك وأسندت رأسك إلى وسادتك واستقبلت طائف النوم. ثم مكثت كذلك بضعة دقائق، ثم أوفت الدقائق على نصف الساعة، تنتظر وفادة النوم ولم يفد. إذن فماذا أنت صانع؟
لقد دلت طبيعة الأرق على أن الوقت المناسب الواجب لمعالجة الأرق وتلافيه ينبغي أن يكون قبل حدوثه لأن الأرق ليس إلا نتيجة اضطرابات ومتاعب وأسباب حدثت قبله بساعات بل بأيام - وفي هذه الحال لا يفيدك أن تعد جدول الضرب أو تحسب على