على الحياة وشدة الرغبة في إطالتها لا يوجب لعمري راحة البال وإنما يحدث هموماً ويثير في النفس مخاوف ووساوس وإذا أنت أردت أن تعرف مقدار متاعب الحياة وتستسهل تركها غير آسف عليها فانظر إلي تلك الزمر البشرية التعسة في حرصها عليها وتعلقها بأهدابها تعلق الغريق بقطع الأخشاب والصخور وأن أكثرهم ليسبح بين الخوف من الموت ومتاعب الحياة لا يدري كيف يعيش ولا يعرف كيف يموت فإذا أحببت أن تجعل حياتك سارة قارة فلا تشغل نفسك بالخوف عليها والشيء المستعار لا يحلو إلا إذا عرفت أنه مستعار فتحسن استعماله كما لا يصعب عليك فراقه وأجمل الرد في الودائع مالا يحدوه التحسر والتأسف، فينبغي لك إذاً أن تتشجع وتقوى على مقاومة خوف مصائب هي رصدٌ على الكل وغير مستثن منها وضيع ولا رفيع فلقد كانت حياة القائد بومبيوس ألعوبة بيد خصى وطفل تحت وصايته وأيام كرسوس إنما انقضت على يد ذلك البارشى السفيه الوحشي وقطع كيوس قيصر رأس لبيدوس بسيف النائب ديكستر كما قطعت رأسه هو بحسام شيرياغ ولعمري مهما كانت الظروف التي يضعنا فيها حظنا المتاح فإنه يجب علينا أن نحذر دائماً مما قد تسمح لنا بعمله وإتيانه مع الغير لأن الحظوظ كالبحر وهل يؤمن جانبه هو هادي ساكن إذا بك تراه قد هاج وماج فاقتلع السفن الراسيات وابتلع الجواري المنشآت بما تحمل من الأموال التي كانت بالأمس بهجة نفوس أصحابها ومنتهى آمالهم كذلك الحظوظ الدنيوية تعمل ثم لا يفوتنك أنك في كل وقت معرض لأن تنالك بالأذى أيدي اللصوص والأعداء وإن لم يكن لك أعداء كبار فأحقر عبيدك معلق موتك وحياتك بين يديه إذا هو فقد صوابه وهانت عليه في إعدامك حياتك نفسه، أجل أيها الصديق أن من يستر خص حياته في معادتنا يكون بلا ريب مالكاً لحياتنا وتذكر عبر الحوادث الكثيرة فكم من أناس قتلوا على أسرتهم خفية وجهاراً بأيدي ارقائهم أكثر مما يبطش الملاك ذوا السلطان وأرباب التيجان؟ فماذا يهمك إذن من بطش عدوك وسطوته إذا كانت سلطته التي تخيفك قد تكون بأيدي أناس كثيرين ولا ضابط لها ولقد تقول لي أني إذا وقعت في يد عدوي فقد يقودني إلى الموت جهاراً فأقول لك أنك بسبيله منذ أزمان ولم نغرر بأنفسنا طويلاً ولا نبصر إلا في هذا اليوم ما هو مهدد لنا ما حيينا، نعم أيها الصديق الكريم إنك سائر إلى الموت والفناء وأنك وأنك سالك سبيله من يوم ولدتك أمك هذا ما يجب أن نجعله نصب