علومهم، فكان لها من غياب البابا في أفينيون وحركة الإصلاح، فرصة سانحة، جعلتها تستقر في إيطاليا، وجاءت فلسفة أرسطو أو الفلسفة الاستنباطية مرتدية شملة عربية خلعها عليها ابن رشد، فاتخذت لها في السر أعواناً كثيرين، وفي الجهر أتباعاً ليسوا بالفئة القليلين. ووجدت أذهاناً تائقة إلى قبولها ومن بين هؤلاء الأعوان ليناردو دافنشي الذي نادى بذلك المبدأ الأساسي وهو أن التجربة والنظر هما الأساس الثقة في تحليل العلوم، وإن التجربة هي العمدة في تفسير أسرار الطبيعة، وهي ضرورية لتحقيق القوانين العلمية.
حتى إذا اطمأن بالعلم القرار في شمال إيطاليا لم يلبث أن بسط نفوذه في جميع أرجائها ونواحيها، وأخذ أعوان العلم وأنصاره يزدادون بازدياد تأليف المجامع العلمية وتكاثرها، ونحواً في إيطاليا نحو المغاربة في إسبانيا فألفوا مجامع لهم تشبه مجامع قرطبة وغرناطة ولتجدن مجمع طولوز الذي قام في سنة ١٣٤٥ باقياً في فرنسا حتى يومنا هذا، كأنما ليكون دليلاً ناهضاً على السبيل التي جاءت المدينة منها، وكان هذا المجمع يمثل دولة الأدب الزاهية التي كانت قائمة في جنوب فرنسا، وأسس في مدينة نابلى أول مجمع لترقية العلوم الطبيعية، وكان مؤسسة العالم بورتا ولكن انفض هذا المجمع طوعاً لأوامر الكنيسة، وأقام البرنس فردريك ده سيزي في روما جمعية سماها جمعية الفهد، ويدل على غرضها شارتها، وهي فهد رافع عينيه إلى السماء، وهو يفتك بين مخالبه بكلب ذي ثلاثة أرؤس وقام في سنة ١٦٥٧ مجمع في فلورنسا كان ينتدى أهله في قصر دون فلورنسا نفسه، ولبث عشر سنين فأمرت حكومة البابا بتعطيله فعطل، ولكن رفع أخو الدوق إلى مرتبة الكردينال تعويضاً لأخيه، وكان في هذا المجمع كثيرون من علماء ذلك العصر مثل توريسللي وكاستللي، وشروط الانخراط في سلك المجمع أن ينزع طالب الدخول كل عقيدة أو دين ويعتزم البحث عن الحقيقة، وقد أخرجت كل هذه المجامع كثيرين من العلماء من المعتزل الذي كانوا مخلدين إليه، ووصلت بينهم وقوت رابطتهم وأزكت فيهم هذه الرابطة نار القوة والعزيمة.
هاتان كلمتا الفيلسوف دريبر في تأثير العلم في أمريكا وتاريخ دخول العلم بلاد العرب، وسنبسط للقراء كلامه في تأثير العلم من الوجهتين الفكرية والاقتصادية في العدد القادم إن شاء الله.