للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأشجانك ولكنها شيء أسهل وألطف، وعبء أهون وأخف. هو يظهر لك كأن نصيبه نم الحياة وحظه من الوجود أقل نم حظك ونصيبك - كأنه مخلوق أبتر ناقص. فعنصر الحياة فيه أبرد وأجمد. وكوكب الحياة فيه أكسف وأخمد. ونار الحياة فيه أخبى ضراماً. وأبوخ احتداماً، فهي رماد بالقياس إلى شعلتك المتأججة، وجذوتك الملتهبة المتوهجة، وشهوته ضعيفة فاترة، بالنسبة إلى شهوتك المضرمة المستعرة، وكذلك قد عاشرت جارك الأعوام الطويلة في غفلة من حقيقة أمره، وعلى جهالة نم مكتوم حاله ومضمر شره، فأنت حين تزايله أجهل الناس به وأعماهم عن ماهيته وكنهه فأتن معه على حد قول القائل:

يا شاهداً يرنو بعيني غائب ... ومشاهداً للأمر غير مشاهد

لقد رأيت في جارك جماداً لا بشراً، ولم تر فيه ولا قلباً بل جحراً، فدع عنك هذا الغرور، وهذا الباطل والزور، وحاول أن تعرف الخلق، وتدرك الصدق، أن الألم حيثما كان ألم، واللذة أينما وجدت لذة، شأنهما ذلك سواء أكانا فيك أم في غيرك. إلا فاعلمن أنه في جميع أغاريد الطير وأساجيع الورق وأهاتيف القمارى بكل خميلة وروضة، وكل أجمة وغيضة، وفي جميع صيحات المتألم والمتوجع والمحتضر والمعاني سكرة الموت من الإنسان والحيوان وفي الزاخر الإقيانوس العديم النهاية الغاص بالملايين من الخلائق المائية المتنازعة على الحياة المتسابقة إلى الملمات، وفي الجماهير المكاثفة والجماعات المحتشدة نم الجوارح والسباع والضواري ومن القبائل العديدة والفضائل الجمة نم الهمج والمتوخشين. وفي كل بالأرض من الأمراض والأدواء والأحزان والأشجان ومن الفوز والانتصار والزهو والفخار. والهزيمة والاندحار. والزلل والعثار وفي جميع الخلائق من الذرة إلى المجرة. ومن سطور النمال إلى مواكب الأبطال. ومن أخس الأشياء وأوضعها. إلى شرفها وأرفعها. - في كل ما سردت وأوردت يبصر اللبيب المتبصر. والأريب المتدرب. عين ما يجيش بقلبه من تلك الحياة القوية. الجادة الذكية. المضربة الخفاقة، المنسكية الدفاقة. المحتدمة. المضطرمة. المأججة المتوهجة. البادية في عدد الرمل من الأشكال والمظاهر. المترائية في عدد الفطر من الصور والمناظر. التي لا تطفأ ولا تخمد أو تخبو نيران الشموس والأقمار. ولا تني ولا تخسر أو يقف الفلك المدار. فياليها الغافل أو المتغافل أدر في أنحاء الكون نظرك وقلب في أرجاء الوجود بصرك. فانظر قوة الحياة