إذا استعان على ذلك ببدر المال وبالتحف والطرف والنفحات. وكانت المسيحية تعتقد أن في ميسورها أن تغير الأمور عن مجراها الطبيعي. ولكن أساس الإسلام الرضي بسنة الله. ولن تجد لسنته تبديلاً. ولم تكن صلاة المسيحي إلا دعوات لأماني يطلبها. وعلالات يرجوها. وما كانت صلاة المسلم إلا إخلاصاً لله وشكراً على سالف أنعمه وفارط هباته. وكانت تطورات العالم في نظر المسيحي إن هي إلا عوارض فجائية لا تتبع قانوناً ولا تسير على سنة. أما في نظر المسلم فعلى النقيض من ذلك. فكل حركة مادية في رأيه نتيجة حركة سبقتها. وكل فكرة وليدة فكرة تقدمتها. وكل حادث تاريخي نتاج حادث تاريخي انفرط قبله. وكل عمل إنساني منشأ عمل إنساني آخر. ولم يحدث في تاريخ البشر حوادث فجائية مطلقاً. بل كان هناك تتابع بين الحوادث وتلاحق لا مرد لهما ولا متأخر. لأن القضاء سلسلة حديدية. حلقاتها الحقائق. كلها يلزم مكانه الذي وضع فيه. ولم تضطرب منها يوماً خلقه. ولم تنتقل عن مكانها المسكين. وإن كل إنسان خرج إلى العالم دون علمه. وسيرحل عنها دون رغتبه. فليستسلم إذن ولينظر ما يكنه له الغيب في عالمه.
ثم انتقل الفيلسوف دريبر إلى التطور الذي حدث للعرب فقال وما كان أسرع انتقال عصبية العرب ونعرتهم الدينية إلى حب الأعمال الذهنية. فإنه لم يكد ينفرط بعد وفاة النبي عشرون عاماً حتى ظهر هذا الميل الأدبي بأجلى أشكاله في الشام والفرس وآسيا الصغرى ومصر وقد كان علي بن أبي طالب في ذلك العهد خليفة المسلمين فحث الناس على طلب العلوم والآداب بجملة أصولها وفروعها. وجاء على أثره معاوية رأس الدولة الأموية عام ٦٦١ من الميلاد فقلب نظام الحكومة وجعلها ورانية وكانت من قبل انتخابية في الغرب. وعاش ثم عيشة الأبهة والرفاهية والنعمة وكسر قيود التعصب، ونصب نفسه نصيراً للأدب وراعياً، وهذا الانقلاب العجيب. والتطور المدهش الغريب وليداً ثلاثين عاماً. وما كان أشد الفرق بين حال عمر بن الخطاب يوم وجد نائماً على سلم جامع المدينة وبين معاوية. والوفود تدخل عليه في قصر منيف. ازدان بالحلي والنقوش. وحف بالبساتين والجنات. وتجمل بنوافير الماء وعذب البركات.
وما كان يمضي زهاء قرن من يوم وفاة النبي حتى كثرت المعربات من تآليف أشهر كتاب اليونان الأقدمين. ولما كانت قصيدة الألياذة والأوذيسيا تعدان زيغاً في الدين وخرافة. لما