للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المسترزقة، وكذلك عشنا بمعد المتمدنين وعقول البرابرة.

ثم هم يريدون الآن أن يعمدوا إلى المدرسة ليتخذوا من التلاميذ وطلاب النجح زعماء تفكير وآداب عقلية راقية، وكأنهم لم يعملوا أن المدرسة قل ما تخرج رجلاً واحداً متفوقاً في صناعة من الصناعات، نعم بذلك ستكثر المدارس من عداد المتعلمين والناجحين في الحياة، ولكنها لا تعمل مطلقاً لتهذيب الفنون وخلق النبوغ، أو ليس تطلبنا من المدارس نوابغ الأدباء والكتاب إلا كتطلب الأمم من حكوماتها نوابغ السياسيين ومهرة القواد والحاكمين، في حين أن أرقى الحكومات لا تستطيع أن تخلق سياسياً عظيماً واحداً، وأن الحكومات كلها ليست إلا عمل أفراد نوابغ، هم منحة الطبيعة، وخلاصة التقدم الذي لا ينهض على الأنظمة المشترعة الموضوعة، ولكنه نتاج عقليات كبيرة، وأذهان مفكرة، وإرادات عاملة، ومبادئ قوية، وهل كانت المدارس إلا حظائر مهذبة لتربية النوع الإنساني، وإعداده لأن يعيش ويفتن في أساليب المعيشة، ثم تجود الطبيعة لا المدرسة بفرد واحد فيغير على كل وجوه التهذيب في الأمة فيمسخها. . أن النابغة أكبر من الأمة كلها. . . أكبر من القرون والشرائع والمبادئ والمدارس. . . هو الخلود.

أنريد أن نتطلب العظمة التاريخية من بين تلك الجدران التي يسمونها المدارس، وفي الأمة ذلك الوسط الفسيح الكبير نوابغ تقتلهم غباوة الشرائع وجهل القوانين وغفلة الأمة وتجعلهم دواعي الرزق ومطالب الكسب مغمورين مضيعين، ثم لا نظفر من وراء كل هذه المجهودات المتكلفة العمياء إلا خسارة التاريخ نفسه، يقولون أن الطبيعة ضنانة علينا بالنوابغ ولكن لمّ لا يقولون أن معاملتنا للنوابغ هي نفسها تعجيز للطبيعة واستئصال للنبوغ. . إننا نرتقب ظهور الرجل الذي قد يكون مظنة الخير فلا نزال نغري به حتى نلحقه في زمرة العدادين والحاسبين ونسجل اسمه بين القعدة والمتكسبين، وكذلك في خمسين عاماً لم نستطع أن نظفر برجل فاضل كبير، لأن مبادئنا لم تكن على شيء من الفضل، ولم تكن فيها قوة السمو وفضيلة العظمة. . .