للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لكبير روائي الروس (دستوفسكي) أمكنه أن يرى شواهد ذلك. يقول الأستاذ بروكنر (إن ذلك الاندفاع الميكانيكي نحوالجريمة ليس إلا كالذي يقترب من آلة متحركة فيشتبك طرف ثيابه بعجلاتها فتجذبه إليها وتطحنه بين أسنانها). فلنباعد ما استطعنا بينه وبين تلك الآلة المشئومة!

عرف العلم الحديث كل هذا وعرف أن المجرم مريض ينبغي أن يطبب بالعقاقير والأدوية وأن يعطف عليه كما يعطف على المرضى والمصابين، وأن يدخل المستشفيات بدل السجون، وأن تخدمه (أخوات الرحمة) بدل أن يقرعه صوت السجان ويساق سوق البهائم إلى العمل في الجبال والمناجم والسكك الحديدية ولكن للتشريع خشونة غلبت فضيلة العلم وأصبحت الشجون دوراً موبوءة تعدى السليم وتزيد الخبيث شراً، وتخرج إلينا في كل عام عدداً من المعتوهين واليائسين والمرضى. لم يجدوا في السجن رحمة فيئسوا ولم يلق إصلاحا فضلوا.

إن نظرية السجون أصبحت ثابتة الخطأ في القرن العشرين ظاهرة العجز عن أن تداوي داء الإجرام في النفوس. إن العلم الحديث عرف أن شفاء المجرم ليس في سجنه في غرفة ضيقة وتكبيله بالسلاسل والقيود ولكن في تحريره من قيود نفسه المريضة وإطلاقه من سجن أعصابه المنهوكة. إننا نريد أن نطهر النفوس ونكبح من النزعات ولن نصل إلى ذلك مهما شددنا في قانون العقوبات واستنبطنا في السجن من أنواع العذاب. وقد أخطأ أحد قضاة الإنجليز إذ يقول (أن معتادي الإجرام يجب معاقبتهم بالسجن الطويل أوالأشغال الشاقة حرصاً على مصلحة الجمهور وليس من قبيل التشفي والانتقام وإن ذلك ضروري والعدل يقضي به). وهل هناك شيء أكثر تشفيا وانتقاما من القضاء على شخص بعزلة مؤبدة؟ وهل من مصلحة الجمهور أن يفقد أفراده على هذا الشكل؟ وهل هذا هوتطبيق العدل الذي وصل إليه العلم بتقريره أن اعتياد الإجرام ليس غريزة طبيعية في نفس المجرم ولكن نزعة مكتسبة كان للمجتمع يد في تكوينها لديه؟ وأخيرا أليس اعتياد الإجرام هوإخفاق المجتمع في إصلاح المجرم أول مرة؟ ألا أن فكرة الزجر بتشديد العقاب والصرامة في معاملة المسجونين ليس لها من أثر في منع الناس من ارتكاب الجرائم. وأن الذين يقولون إن القانون مانع من الإجرام وإن رؤية السجون شامخة أمام أعيننا تنتظر عن ارتكاب