للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجرائم - إن الذين يقولون مثل هذا القول يخطئون الحكم وينظرون إلى الجانب الأضعف في الإنسان. القوانين موجودة من عهد الرومان وأنواع العقوبات تكثر وتتعدد في القوانين الحديثة وكلها على شدتها وصرامتها لم تستأصل شرة الإجرام بل لم تعمل على تحقيقها وإقلالها وها نحن أولاء نرى الجرائم في كل عام في ازدياد وكأنها والمدينة صنوان كلتهما في اطراد.

أن فكرة الردع العام لا تمنع الإجرام بقدر ما تحفظ الناس من تكرر وقوعه، وبين الأمرين بعيد. ما كان القانون في دور من أدواره طبيبا يداوي علة الإجرام ولكنه كان دائما جلاداً يوقع الجزاء! إن الناس لا يحملون في جيوبهم كتاب العقوبات لينظروا بين السرقة بالإكراه والسرقة العادية فيختاروا أهونها عقابا. بل ما كان الناس ليتأثروا بأمثلة المجرمين ليس إلا عملية بسيطة يراد منها إضعاف عددهم في الخارج! وكذلك تدور عجلة الإجرام في مجراها كما تدور عجلة التناسل البشري، ففريق داخل جدران السجن وفريق آخر خارجه!

نروم إصلاح المجرم بعقابه فنحكم على القاتل بالإعدام! نفقد شخصين بدل شخص واحد! أما الذين يقوون أن ذلك رادع لغيره من ارتكاب الجرائم فلا أستطيع أن أفهم الفرق بين الردع بالتهديد به. إن الردع العام لا يقوم به عقاب شديد بقدر ما يقوم به تشريع عادل، وإن الذين يمتنعون عن ارتكاب الجرائم لا يمتنعون لأنهم رأوا توقيع العقاب على غيرهم ولكن لأن القانون يهددهم بتوقيعه عليهم.

إن جميع العقوبات في مصر لا ترمي إلا إلى غرض واحد وهوالانتفاع من ذلك القطيع البشري الذي يدخل السجن (دور الإصلاح) في كل عام. فهملا يفرقون في السجن بين الضعفاء والأقوياء ولا بين المرضى والأصحاء ولا بين الكهول والشبان ولكنهم يرومون أن يشتغل الجميع أشغالا مختلفة تعود فائدتها على السجن وأربابه دون أجر ولا غذاء صالح: المجرمون هم الذين يغسلون غرف السجن ونوافذه وأبوابه، وهم الذين يصنعون طعامهم وثيابهم، وهم الذين يرصفون الطرق ويقطعون الصخور من الجبال. فإن لم يجدوا لهم عملا أمروهم بنقل تراب من مكان إلى آخر أوإدارة طاحونة فارغة أوملئ حوض ثم تفريغه! وكذلك يشتغل هؤلاء الرجال المنكودوا الحظ عشر ساعات في كل يوم كما تشتغل الدواب، ثم يعودون إلى غرفهم في آخر النهار فينامون على (برش) صغيرة فوق البلاط