للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصقيع! ولا أستطيع أن أفهم العلاقة بين العقاب وبين إهداء الأمة في كل عام عددا من أبنائها مسلولين ومرضى من جراء هذه المعيشة في السجون.

أليس غريبا أن نروم إصلاح المجرم فنعامل السجين السياسي كما نعامل المجرم العادي، ولا نفرق بين أرباب السوابق في الإجرام أوبين حديثي العهد به، ونجمع في سجن واحد بين شرار المجرمين وبين من ساقتهم إلى الجريمة ظروف طارئة أونزوة عارضة أوأعصاب مختلة.

إن الذين يشكون من ازدياد الجرائم وتمادي المجرمين لا يجب عليهم أن يطلبوا إصلاح ذلك في قانون العقوبات ولكن في النظام السيئ لتنفيذ تلك العقوبات. وما دام في السجن سوط (وزنزانة) وقيود وسلاسل فلن يصلوا إلى قلب المجرم فينتزعوا منه حمئة الإجرام، ولن تتهذب روحه ولوقضى في السجن ألف عام! سيقول قوم لقد غإلى في القول وأين هوذلك النظام المنشود الذي سيجعل المجرمين ملائكة أخيار؟! وأقول لهم إنه نظام بسيط، إنه لن يجعل المجرمين ملائكة أخيار ولكنه سيمنع هذه التجربة التي نراها كل يوم بأعيننا في الشوارع. أطفال صغار يساقون إلى دور الشرطة لأنهم متسولون أولأنهم متشردون، فإذا كبروا وكبرت معهم جرائمهم نسي القانون والناس من المجرم الحقيقي، وقالوا كما يقول ذلك القاضي الإنجليزي الذي أشرنا إليه (إن معتادي الإجرام يجب معاقبتهم بالسجن أوالأشغال الشاقة) إن أولئك المعتادي الإجرام ليسوا إلا أولئك الأربعة الصبية الذين عثر بهم قسم محرم بك في الإسكندرية ومكثوا أياما والحكومة في حيرة من أمرهم لا تجد عائلا يؤويهم ولا كريم يعولهم ولا قاضيا يأمر بمعاقبتهم بالسجن الطويل أوالأشغال الشاقة!.

إذا صح أن المجرم مريض قابل للشفاء وأن ليس هناك مجرم بالطبع لا ينجح معه العلاج، وإذا صح أن الإنسانية تتألم لهؤلاء البؤساء وتبغي أن تطبق عليهم حكمة كليمانس الحادي عشر، فما معنى أن نرى السجون شامخة أمامنا وهي دور عذاب، ونرى الحبس الانفرادي باقيا وهواقرب طريق إلى الجنون، ونرى طعام أهل السجن تعافه حتى الوحوش.

لا نظام غير (الإصلاحيات) يمحوعن الإنسانية عار هذه الوصمة في القرن العشرين. ينبغي أن تستبدل السجون والحبوس بإصلاحيات زراعية أوصناعية يدخلها الزجال والأحداث والنساء على السواء. ينبغي أن يكون الغرض من معاقبة المجرم ليس الانتفاع