للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعبارات يدق علي أن افهم نصفها، ولا يكون من الطفلة إذ ذاك إلا الصمت من الدهشة والذهول، ولكنها تسمي هذا الصمت من الأطفال إدراكاً وفهماً، فتنظر إلينا وعلى وجهها كل هلائم الإنتصار والإبتهاج، ولا أظن أن أحداً منا نجا وهو في طفولته من أسلحتها وهي الششم والفلفل والويل للطفل الذي يمرض في بيتنا، إذا لم ينته في توه وساعته عن مرضه، ويفارق الفراش في يومه، وإلا رأى من أساليب مداواتها كل ضروب القسوة والعذاب، وكثيراً ما يخفي الأطفال مرضهم، ويذهبون إلى المدرسة في الصباح، وهم أحوج إلى النوم في السرير خشيةً من البعبع وأنا لا أدري لماذا لا تأخذها وزارة المعارف فتجعلها مفتشة في الكتاتيب، فننقذ سيدنا من المتاعب التي يعانيها من أولاد كتابه، وكثيراً ما فكرت في أن أفتح لها مدرسة، وأقيمها معلماً ولكني خشيت من قضايا الجنح التي قد يرفعها علينا بعض الآباء من جراء قسوتها في تربية أولادهم، ولعل الباعث الأكبر على هذا النظام الإسبارطي في التعليم هو أنه لا بلد لها ولا بنين، وقد رزقت مع ذلك طفلاً منذ ثلاثين عاماً أو تزيد، ولكنه أحسن إلى نفسه بالموت قبل عمره، لأنه تنبأ بلذة الشطة وآلام الششم والقطرة، وهي منذ وفاة طفلها تعتقد أن لها آثاراً عن كل طفل، وترة عند كل والدة، ولعلها تود لو يخرج الناس كباراً من بطون أماتهم حتى ينسى العالم لفظة أطفال فتزول من ذاكرتها ذكرى طفلها.

وهي أشد الناس كراهية للحب وتندهش كل الدهشة أن ترى في العالم شيئاً يسمى غناء وموسيقى وخمراً. وأغرب ما أقصه من أمر كراهيتها للحب إنا نسكن في شارع شعري ساكن هو خير ما يرتاده العاشقون.

وكثيراً ما يختلف إليه الشباب وفتياتهم ليذوقوا من ثمرة الحب. وإنها لتبصر بهم يمشون في رفق وهدوء فلا تني تأخذ في اللقاء محاضرة طويلة تريد بها أن تثبت أن الحب لا يوجد في الدنيا وتحشد في سبيل ذلك حججاً وبراهين وتختلق حوادث وقططاً وتلفق كلمات وأموراً لا يستطيع أن يقف أمامها الفرد دي موسيه رئيس نقابة العشاق في العالم كله.

وعمتي تدعي الخبرة الكبرى بالطب وترجع نسبها إلى أبقراط، ثم تقول أن الله لم يخلق إلى الآن طبيباً يستطيع الإنسان أن يسلم إليه حياته ولو في أتفه الأمراض. ولا تتكلم عن الأطباء إلا كما تتكلم عن القتلة والجزارين وقطاع الطرق وهي لا تضن على الناس