للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان كتَّاب الغرب من السلميين والاشتراكيين يرون الاستعدادات الحربية الهائلة التي تعدها الدول الأوروبية، والمنافسات المستمرة في جندياتها، والتحسينات العديدة في بحرياتها، والاختراعات السرية والجهرية في مراكبها الهوائية ومدافعها ومفرقعاتها - كانوا يرون كل هذا فترجف قلوبهم من الصدمة الهائلة التي ستصطدم بها أوروبا من جراء هذا التسليح الدائم، وكانوا يلمحون أشباح الحرب المخيفة ماثلة أمام أعينهم تنذرهم بالويل المقبل. ولذلك جعل كثيرون من أكابر كتَّاب الغرب ينصحون أوروبا بترك التسليح، والتخفيف من الاستعداد الحربي أو إلغائه جملة واحدة، والعيش في ظلال السلم وأفياء الوئام، ولكن أخفقوا هؤلاء جميعاً في إرشاد المغرب إلى الاتفاق يداً واحدة على إطراح التسليح، لأن هذه إرادة العسكريين من دعاة العظمة التوتونية وإرادتهم فوق كل شيء.

ومن بين الكتَّاب الأعلام الذين كانوا يتوقعون هذه الحرب الطاحنة الكاتب الإنجليزي المشهور مستر فردريك هارسون، فقد كتب في فاتحة العام الماضي مقالاً شائقاً في المجلة الإنكليزية - وهي من أرقى مجلات الإنكليز - عن ألمانيا نقتطف منها النبذة الآتية:

قال فردريك هارسون: كلنا يعلم أن السلم منذ سنين هو الحالة التي يجري عليها التقدم الألماني، سواء من الوجهة الحربية أم من الوجهة التجارية، ولاسيما في البحرية، وكلنا يعتبر ذلك قضية مسلماً بها لا جدل فيها ولا مراء فإن تسعين في المائة من الشعب الألماني يريد أن يعيش في ظل السلم ما ظلت المصالح الألمانية غير معرضة لسوء وكذلك تعمل الحكومة الألمانية على بقاء السلم في الحالة الحاضرة هذا والإمبراطور يدأب مخلصاً في إزالة مخاوف جيرانه ووساوسهم حتى تضطره الشدائد إلى الكلام على أن العشرة الباقية من مجموع الأمة هم الذين يدفعون بألمانيا إلى سبيل صعبة لا نتيجة لها إلا الحرب المحتمة.

ثم انتقل الكاتب إلى بحث الأسباب التي تجعل طمع الألمان في التوسع أمراً لازماً لا مرد لألمانيا عنه إلا الهزيمة، وإليك ما قال:

هذه مشكلة دولية قامت من عهد بسمارك أي منذ خمسين عاماً على التقريب - إن كل سياسة أوروبا الآن تدور حول الارتقاء العظيم الذي تخلقه ألمانيا في الحرب والصناعة والعلم - وحول انحصار ألمانيا بين سبع ممالك مختلفة - ونصيبها الضعيف من الشواطئ