وجوابي على هذا أني لا أدري ولعلنا جميعاً لا ندري إلى أي درجة من درجات الفضيلة ترتقي نفوس البشر. ولنفرض أنا وجدنا ضالتنا فإنه ينبغي أن تزن عمله الذي تند به لترى هل له غناء فيما تسنده إليه وكفاية فيما تقلده إياه. ولتعلم مبلغ الكفاية التي ينبغي أن تكون معه ليقوم بما تحمله. وأول ما يخطر لي في ذلك أن من يتدبر ما يكلفه المؤدب الذكي الأروع خليق أن يفطم نفسه عن طلبه ويزمها عن التماسه لأن أيسر مما يحاول من ذلك أن لا يزال يرافع نفسه ويخافضها حتى يصبح مؤدباً!
وأنك لو فكرت في ذلك الوالد الموسر الذي سها عن تربية ولده وزعم أن الشواغل صرفته عن تأديبه فبذل ماله للأجنبي وهو يحسب أنه سيتقدم فيما استكفاه من أموره واستحمله من واجباته ويظن أنه بماله يستطيع أن يشتري لأبنه رجلاً يسد مسده ويمضي مضاءه لرأيت رجلاً قد سد عليه الجهل منافذ النظر وقطع عليه التقليد وجهة الفكر وهو إنما اختار لأبنه خادماً يتبعه ويتوخى مرضاته في كل ما يقول ويفعل وليس من نتيجة لذلك إلا أن يصبح الولد مثله لأن عيوب الطفل معقودة بعيب مربيه.
ولقد قرأنا كثيراً مما كتبه الناس في صفات المؤدب الكفؤ ومناقبه وليس يجب في مذهبي أن تجتمع فيه خلال الفتوة والمروءة جميعها بل أن ألزم من ذلك عندي أن يكون من شرف النفس وإباء الطبع بحيث يأنف أن يبيع نفسه فإن من الأعمال ما هو أجل من أن يكون منها كسبنا ومعاشنا. وما لو جعلناه تجارة لكنا غير أهل له ومن ذلك عمل الجندي والمدرس. وإذ كان الأمر كذلك فإن خليقاً بك أن تتحول عن طلب مؤدب لبنيك يتولى تربيتهم ولقد قلت لك فيما أسلفت من الكلام أنك أحق من تولي ذلك وأقدر، فأما أنا وسواي فأين نقع من ذلك. فإن لم تستطع وكان الأمر من فوق إمكانك فإن الرأي عندي أن تستظهر بصديق تشد به أزرك وتشركه في أمرك.
ولقد طلب إليّ مرة رجل لا أعرف عنه سوى أنه من ذوي المراتب السنية والمنازل الملحوظة أن أؤدب ولداً له فرفعني بذلك وشرفني وأعلى مقامي غير أني أبيت عليه ذلك. ولقد كنت بالشكر أحق مني بالكفر، وكان الحمد على الإخلاص له أولى من الذم ولو أني أطعته ثم أخطأت وزغت عن وضح المحجة لما أفلحت في تربية ولده ولكانت النتيجة سوءاً. على أني لو نجحت لكانت شراً وأسوأ إذ لو صح تأديبي له لنبذ الولد ألقابه وأبى أن