للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عهد أغسطس قيصر - تلك الأسباب بعينها هي التي تحركت وثارت وأحدثت من النتائج الهائلة ما أحدثت في القرن السابع بعد الميلاد أي قبل ظهور محمد.

كانت فاتحة القرن السابع بعد الميلاد عصر انحلال وطني واجتماعي وديني وكانت ظواهره تتطلب عقيدة جديدة تسترد القوى الشاردة الضالة إلى سبيل الرقي الروحاني المؤدي إلى تطهير العبادة الشخصية. هذه الظواهر كلها كانت تتطلب ديناً أدل على القدرة الإلهية وأظهر للسلطة السماوية من اليهودية والنصرانية. هذا وإن اللهيب المقدس الذي أذكاه زرادشت وموسى وعيسى كان قد انطفأ في دماء البشر إذ لبثت ديانة زرادشت بعد فسادها تكافح المسيحية التي كانت قد أصبحت أفسد منها قروناً عدة - فخمدت أنفاس الإنسانية ما بين معترك الملتين وراحت أسعد أقاليم الدنيا من جراء هذا العراك وهي موارد بلاء ومسايل دماء وما زال استمرار التنازع على السيادة وتمادي الحرب الضروس حتى امتص دماء الحياة من قلوب أمم العالم. وأصبح سكان الأرض تدوسهم القسوسية الجامدة والكهنوتية الميتة تحت أقدامها الحديدية وهم يضجون إلى الله من مظالم زعمائهم، فلا غرو أن أصبحت الحاجة أشد ما كانت إلى منقذة ومخلص.

بناء على ما تقدم أقول أننا إذا أردنا أن ندرك قيمة ما أداه محمد في العالم الأدبي الروحاني فعلينا أولاً أن نلقي نظرة عامة على الحالة الاجتماعية الدينية لأمم الأرض قبيل وحوالي الوقت الذي ظهر فيه الإسلام.

يزعم المؤرخون أن هضبة بكتيريا التي يسميها جغرافيو العرب أم البلاد هي مهد البشر ومنبت الأديان والأمم. ونحن إذا نظرنا إلى هذا الموطن القديم - مهد النوع الإنساني - بمصباح الإثنولوجي (علم أجناس البشر) فتأملناه من خلال نور ذلك المصباح المبهم الضئيل - رأينا طوائف أسرات مجتمعة في هذا المكان العتيق لا تزال تأتلف وتلتئم فتكون فضائل وقبائل ثم يدفعها التكاثر والتزاحم فتندفق وتستفيض أمواجاً تترى متواليات لتعم وجه البسيطة. والظاهر أن الفرع الحامي (نسبة إلى حام) كان أول من انشق عن الجرثومة الصلية وهجر الوطن الأولي. ثم تبعه الطورانيون الذين يقال أنهم شعبة من الأسرة اليافثية. ويظهر أن بعض هؤلاء ضرب شمالاً ثم انتشر في الشرق فأسس الفرع المغولي الحاضر. وقسم سار غرباً فاستوطن أذربيجان وهمذان وغيلان وهي بقاع واقعة في جنوبي