للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعرفون في الألعاب اليوم مع الأسف شيئاً من ذلك ففي الصباح ترى المصارع المسكين معرضاً لافتراس الأسد والدببة وفي الظهيرة يدخل في مصارعة غيره من المتصارعين على تلك الحال البربرية المشتهاة للمتفرجين وهو على الحالين إن لم يقتل في أول النهار فلا يأتي عليه آخره إلا وهو مقتول وقاتله لا بد أن يلقى هو أيضاً حتفه وبالجملة فحظ كل هؤلاء المتصارعين في النهاية الموت هذا ما يريده ويولع به جمهور المتفرجين اليوم فلا يسرهم ولا يطرب نفوسهم غير ما تعمل النار والحديد فماذا يروقك أنت أيها المشاهد المسكين من تلك المشاهد وسماع قول الأخلاط للمتصارعين: اقتل خصمك، ألق عليه النار، انقض عليه بالضرب، لم هذا الإحجام على الانقضاض على الحديد لم هذا التحفظ في الإجهاز على خصمك، لم كل هذا الخوف من شرب كأس المنون وفضلاً عما تسمع من أمثال هذه العبارات في الحث والإغراء للإقدام على هذه الأفعال الوحشية تشاهد عصي الموكلين بأمر حفلة الصراع تدفع بالقسوة المتناهية هؤلاء المتصارعين التعساء إلى التعجل في لقاء الحتوف ومقابلة الموت الزؤام بصدورهم العارية وجراحهم الدامية وإذا ما انتهى فصل من فصول هذا اللعب فقد لا يفوت متفرجينا في الفترة التي بينه وبين الفاصل الذي يليه مشاهدة قتال بعض الناس من المتفرجين ورؤية دماءهم تهراق.

ما هذا الخرق والجنون أيتها الأمة الحمقاء أولا تعلمين أن مثل هذه الأعمال الوحشية قد يعود ضررها على القائمين بها ولكن اشكري للعناية الإلهية أن من تعلمه قساوتك قساوة لا يتعلمها فينبغي على كل حال أن يبتعد من معاشرة أخلاط الناس ذوو النفوس الضعيفة التي لم تتأصل فيها الفضائل الإنسانية وتستحكم الخيرات البشرية لأنها قد تكون سهلة الانقياد والاقتداء بما عليه الجمهور من الأحوال وأن تعاليم كبار الفلاسفة كسقراط وكاتون وليليوس وفضائلهم قد تتزعزع أركانها في النفوس من مخالطة ذوي الأخلاق الفاسدة والطباع السيئة من غوغاء الناس وهل في قدرة أمثالنا ممن لا يزالون مجدين عاملين على تهذيب نفوسهم وتزكيتها مقاومة سيل الرذائل الجارف الذي يبدو على رؤوس الأشهاد من الجمهور ويكون له من التأثير على النفوس ما له، لا جرم أن مثالاً واحداً في الإسراف أو الترف والشح قد يكون فيه من الضرر البليغ ما فيه وإن معاشرة إنسان واحد اشتهر بالترف والبذخ لتجلب على النفوس مصيبة الميل إلى السرف والنعيم وإن مجاورة غني واحد يظهر لنا كل يوم