للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعلى الجانب الآخر واد منخفض وحش قفر انتثرت فوق أديمه صخور انحدرت من جواب الجيل وهضابه، تضيئه أشعة الشمس المنعكسة الراحلة، وكذلك جلس رب ساعة يفكر في هذا المنظر ويجلو عينه من روعته، والمساء مقبل متقدم، والجبال تمد ظلها الأزرق المترامى فوق البطاح والوديان. ورأى أن الظلام سيرخي لا ريب سدوله قبل أن يبلغ القرية. وذكر امرأته وهول نقائها فتنهد تهده الموجع الملتاع.

ولكنه كاد يهم بهبوط حتى سمع صوتاً من كثب ينادي رب فإن نكل. رب فإن ونكل! فدار بعينه ولكنه لم ير إلا غراباً محلقاً فوق الربى وحيداً. فظن أن مخيلته قد خدعته وأنبعث في سبيله منحدراً هابطاً. ولكنه سمع الصيحة نفسها ترن في سكون ذلك المساء وهدوئه رب فان ونكل! ورأى كلبه وولف راح يهر هريراً منخفضاً. ويقترب من جانبه مذعوراً. وينظر خائفاً إلى ناحية الوادي المنخفض. فاستشعر رب من ذلك رهبة خفية بدأت تستملكه، فنظر إلى جهة الوادي فلمح شبحاً غريباً صاعداً في رفق صخور الجبل. وقد أنقض ظهره شيء يحمله. فأدهشه أن يرى آدمياً في هذا المكان المبعد المتوحش. وظنه رجلاً من أصحاب القرية بحاجة إلى عونه. فأهطع إليه يريد أن يحمل عنه وزره.

وكلما اقترب منه ازدادت دهشته لغرابة مظهر الرجل وثوبه. رأي شيخاً قصير القامة ضخماً. يجلل هامته شعر وحف جئل. وتنحدر تحت ذقنه لحية كثة. يلبس لباس أهل هولندة القدماء. صداراً من القماش حول خصره. وسراويل كثيرة أعلاها عريض طويل. تزين حفافيها صفوف من الأزرار. وعند ركبته عدة منها. يحمل فوق كاهله دنا ضخماً. كأنما يحوى شراباً.

حتى إذا جاءه أشار إليه الغريب أن يقترب ويرفع عنه حمله. فأطاع رب وهو خجل من صاحبه الجديد مستريب. ثم تعاونا على الدن. وصعدا وادياً ضيقاً. لعله مجرى نبع من الجبل ناضب. وكلما انبعثا مصعدين سمع رب بين حين وحين صيحات داوية كأنها قصف الرعد البعيد. صادرة من واد عميق القاع. بين صخور شاهقة. يفضي إليه طريقهم الصعب. فوقف رب عن السير برهة متردداً. ولكن ظن أنها حنين من الرعد الممطر الكثير الحدوث عند ذروات الجبال الشم. فواصل السير منطلقاً وصاحبه بين عدوتي الوادي حتى أشرفا على أخدود يحف من حوله هاويات أفقية. قد نبتت على حافلها أشجار باسقة