للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول سعادة عثمان مرتضى باشا في مقدمته الجليلة:

ظهر في الشرق مدنيات كثيرة ترجع كلها إلى مصدرين:

أحدهما رقي تدريجي وراثي في الهيئات الاجتماعية.

ثانيهما: رقي منبعث عن الفكرة الدينية.

فمن النوع الأول مدنية المصريين القديمة التي من أهم مميزاتها رقي الفكر وتوجيهه إلى إتقان الصناعة واتجاه العقول إلى نور العلم في عصور مطبقة الظلام.

ومن الأول كذلك مدنيات اليونانيين المقتبسة من المدينة المصرية ثم مدنيات الآشوريين والفينيقيين والقرطاجنيين.

أما مدينة النوع الثاني فقد ظهر في الشرق ثلاثة خضع لمبادئهم الدينية القسم المتمدين في العالم.

ظهر أحدهم في مصر وهو موسى عليه السلام، أرسله الله تعالى ليضع للعالم القوانين التي تلائم ذلك العصر هداية من الخالق ونوراً لبني البشر.

وظهر الاثنان الأخيران في الشام وبلاد الشام.

أحدهما عيسى عليه السلام، أقام للناس قبساً سطع نوره حتى بهر العالم إذ كان سراج هذا القبس مستخرجاً من معدن الآداب العالية والأخلاق الكريمة هداية كذلك من الخالق ونوراً لبني البشر أجمعين.

ثم ظهر بعده هذا العربي الهاشمي الذي فاق الأنام في علو المدارك وسمو الأفكار. كما كان أكبر وأقوى من خدم الإنسانية بأسرها بإرشاد الناس بالحكم القويمة والتعاليم الراقية الكريمة التي بعثه الله لنشرها في كل الكون سلاماًَ وبركة ورحمة للعالمين.

بزغ نور تعاليمه الإسلامية من سماء بلاد العرب ثم انتشر في أرجاء آسيا، وسرعان ما انتقل إلى أفريقية الشمالية مبتدئاً بمصر ماراً ببلاد المغرب مجتازاً بحر الروم حتى وصل إلى أوروبا من مطالع الأندلس. ففك المقول من أسرها، وأرشدها إلى أن لها حقوقاً وعليها واجبات، وأضاء لها مناهج الحياة العلمية والعملية، وعلمها كيف نتيجتها فخرجت بذلك من الظلمات إلى النور ومن الموت إلى الحياة بتلك الروح الجديدة روح التمدين الإسلامي والزكاء الشرقي.