للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك متين الرصف ظاهر الرشاقة جذاب جداً.

لم يكن فتحي باشا يعرب ليعرب. ولا طلباً للشهرة أو المال من وراء التعريب. فإنه ليس سبيلهما في بلادنا العلم والكتابة وكان حسبه شهرة مناصبه العالية وكفايته التي ما كانت يوماً واحداً موضعاً للشك من أحد سواه في ذلك أصدقاءه وحساده عارفوه وغير عارفيه. ولكننا إذا جمعنا معرباته دلنا مجموعها على أن فتحي كان له غرض ثابت يرمي إليه من وراء نشر هذه الكتب.

غرضه نشر مبادئ الحرية. حرية الفرد. وحرية الأمة. وتنبيه أطماع الأفراد والأمة جميعاً إلى اتخاذ مثل أعلى قبله لهم في أطماعهم الوطنية. أنه منذ سنة ١٨٨٨ كان يرى الأمة تتقلب في أغراض أحياناً متعاكسة ودائماً مبهمة فكان يسيئه هذا المنظر ويود لو أن الشعور الوطني - الذي كان وقتئذ في خدر مستمر - يولى وجهة قبل الاستقلال على نحو منتج. كان يود لو أنهم يدركون أن إبهام الغرض وعدم إدراكه بوضوح يجعله مستحيل المنال. لذلك أراد أن يقدم للجمهور (عقد الاجتماع) لروسو حتى يتبين الجمهور حق الفرد وحق الأمة وما يجب أن يكون لها من السلطان. وللأسف لم يظهر هذا الكتاب مع أنه بلغ من تعريبه مبلغاً كبيراً، ولكنه أصدر بعد ذلك تعريب بنتام في أصول الحقوق والواجبات. حتى جاء الزمن الأخير وظهر الشعور الوطني بمظهر جميل ولكن لا يزال في مقاصده بعض اللبس حتى فيما هو مكتوب من المبادئ في الصحف وما للصحف إلا ترجمان الرأي العام. ولعل فتحي باشا أمام هذه المشاهد أشفق على حرية الأفراد وتربية الأمة من الميل الظاهر إلى ما يشبه الاشتراكية فإن الناس لم يقصروا في طلبتهم على حقوق الأفراد من الحرية وحق الشعب من السلطة بل أخذوا مع ذلك كله يطالبون الحكومة أن تقوم لهم بكل شيء. ومهما كان في أساليب هذه المطالب من الانتقاد الضمني إلا أن مثل هذه الحركة من شأنها أن تجعل الحكومة هي كل شيء والفرد لا شيء. الاشتراكية قد تكون معقولة إذا كان للأفراد شأن في تنصيب الحكومة. وإلا فإنما نهي اشتراكية معكوسة النتائج. فأخذ فتحي باشا عن بعد يهدي الأفراد إلى وجوب الاستمساك بشخصيتهم ويبين لهم أن تربية الشخصية هي التي كانت (سر تقدم الإنكليز السكسونيين) يطلب إلى المصريين أن يتشبهوا بهؤلاء وأن لا يفنوا شخصيتهم فيفني وجودهم. واستطراداً في هذا النظر تصدى إلى