للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الدكتور جوستاف لوبون في كتابه حقائق الزمن الحاضر ضعف الإنسان عن الحياة بلا يقين ففضل المعتقدات وإن ضعف أساسها عن الزندقة وإن وضح برهانها ذلك ما تجلى للكاتب الفرنسي المشهور أوجين بريو العضو بالأكاديمية الفرنساوية المولود سنة ١٨٥٨ إذ كان ذات يوم في معبد من المعابد فألفي المصلين قائمين يضرعون لتمثال معبودهم يلتمسون منه قضاء الحاجات وكان من بينهم مرضى وذووا عاهات وبائسون تعلقت آمالهم بربهم تعلقاً اتصلت به سعادتهم، فتأثرت نفسه وجال في خاطره أنه لو استطاع أن يرشد هذا الجمع إلى كذب ما يعتقد، وإلى أن معبوده لا يسمع ولا يعي لما فعل حرصاً على هذا الأمل أن يزول. وهذا الخيال الكريم أن يتبدد ومن ثم خطر له أن يضع رواية في هذا الموضوع فاختار له مصر الفرعونية لما اشتهر به ساكنوها قديماً من التمسك بمعتقداتهم وتقديس معبوداتهم وتعليق آمالهم على حياة أخرى بها ثواب وعقاب فقدم مصر واستعان بمسيو لجران رئيس مهندس معبد الكرنك على وضع روايته الإيمان - قالت جريدة الطان لما ظهرت هذه الرواية واحتفلت بها الصحف الفرنسية الاحتفال اللائق بها وإنها رواية تصدت لمسألة اجتماعية كبرى كانت من القدم مثار الأفكار ومحل الخلاف بين الناس وهي مسألة الإيمان. ولقد مثل لنا فيها كاتبها صورة العذراء الطاهرة (يوما) وهي تسعى إلى الموت فرحة سكرى برحيق الإيمان وصورة الحكيم المصلح (سانتي) وهو يحاول تطهير النفوس من الخرافات وإرشادها إلى الفضيلة المجردة وصورة الشعب الغشوم وقد استسلم لإيمانه الأعمي وصورة الكاهن الماكر وقد تولى قيادة تلك القوة العمياء إلى حيث تخدم مطامعه وأمانيه - وصورة الإيمان البصير في نفس (مييريس العمياء) التي لا تؤمن بآلهة باسمهم يقتلون الناس وهي الكلمة التي ختم بها المؤلف روايته.

وقد قام بنقل هذه الرواية إلى العربية سعادة الكاتب الفاضل صالح جودت بك لما رأى أن التمثيل العربي وبالحرى الشعب المصري بحاجة إلى أمثال هذه الروايات القيمة ونحن فنقول أن لغة الترجمة جاءت كما يظن بسعادة المترجم جزالة ومتانة وأمانة في النقل وقد قام بتمثيل هذه الرواية الجليلة التي يحق لعشاق العربية أن يزهو بترجمتها جناب الممثل النابغة جورج أبيض وجوقته في الأوبرا الخديوية فأجادت الجوقة كيف شاء الإتقان والنبوغ.