للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحياة والذي يذكرنا بها هو الواجب عندما نبدأ عملاً ذا خطر نسمع من أنفسنا صوتين أحدهما صوت المنفعة يقول لنا: هذا هو ما يفيدك الراحة والأمن والثروة والمجد والسلطان. وثانيهما وهو ما يسميه الناس صوت الواجب يقول لنا: أنس نفسك خاطر بها ضحها.

ليصغ الملحدون إلى صوت المنفعة، ولكن الذي يؤثر الواجب هو صاحب اليقين الفلسفي عرف ذلك أم لم يعرفه. فإنه لا يمكن الإيمان بالواجب بدون إيمان بالله والحرية والخلود.

وإن في حياة منصف وموته لدليلاً لا ينقض على وجود الله، هذه هي الأفكار التي ملكتني عندما صممت على تأليف سفر مختصر في الأخلاق لعامة الناس ولاسيما ذوي العقول المستنيرة الذين يشعرون بميل إلى الفلسفة من غير أن يكونوا قد درسوها.

تلك كلمة كبيرة جاءت في مقدمة كتاب الواجب للأستاذ جول سيمون الفيلسوف الفرنسي الكبير والسياسي المشهور، المعاصر لفيكتور هوجو ولويس بونابرت المعروف بنابليون الثالث، ومن هذه الكلمة يعرف القارئ روح المؤلف ويتبين مذهبه ويتوسم فائدة الكتاب، ويستشف قيمته الكبرى، ومنفعته الشديدة، وكتاب الواجب من خير ما كتب للناس في موضوعه، وقد كنا عربنا في بعض أعداد السنة الأولى من البيان جزءاً يسيراً منه ولكنا أمسكنا عن متابعة التعريف لأمر ما.

وقد سرنا وملأ قلوبنا غبطة وفرحاً أن تناوله كاتبان فاضلان من كتَّاب مصر العاملين على خدمتها، ونعني بهما الأستاذ طه حسين ومحمد بك رمضان، وقد ظهر الجزء الأول منه مصدراً بكلمة جليلة للمعربين الفاضلين، يشرحان بها غرض جول سيمون في كتابه والدواعي التي استحثته على وضعه. وجاء بكلمة طيبة في تاريخ حياة المؤلف والألقاب العلمية التي نالها. والوظائف السياسية التي تقلب فيها. أما عبارة الترجمة فتدل على عناية الأستاذين واستمساكهما بالأساليب السهلة الممتنعة. واللغة الجزلة الفصحى وهذا ما كنا نرتقبه من قلم الأستاذ طه حسين معرباً، بعدما عرفنا فضله كاتباً ومفكراً ويزداد جذلنا به إذ نراه مقبلاً على دراسة اللغة الفرنسية. ونتوقع أن يكون منه بعد قريب شيخ من مشايخ المعربين، ورأس من رؤوس المترجمين، ونحن في شغف وارتقاب لصدور الجزء الثاني وتواليه، حتى تنعم بفائدة هذا الكتاب، ونستطيبه بجملته. ونود لو يجعلا ثمن الجزء أرخص