ما دعته إليه ورغب فيما أطعمته فيه وجمع إليه أهل الحجي والنهي من ثقات أصحابه وهو ببقة من شاطئ الفرات فعرض عليهم ما دعته إليه الزباء واستشارهم في أمره فأجمع رأيهم على أن يسير إليها ويستولي على ملكها - وكان فيهم رجل يقال له قصير بن سعدو كان سعد تزوج أمه لجذيمة فولدت له قصيراً وكان أريباً حازماً أثيراً عند جذيمة ناصحاً فخالفهم فيما أشاروا به عليه وقال رأى فاتر وغدر حاضر فذهبت مثلاً - وقال لجذيمة أكتب إليها فإن كانت صادقة فلتقبل إليك وإلا لم تمكنها من نفسك ولم تقع في حبالها وقد وترتها وقتلت أباها فلم يوافق جزيمة ما أشار به عليه قصير فقال قصير:
إني امرؤ لا يميل العجز ترويتي ... إذا أتت دون شيء مرة الوذم
فقال جذيمة لا ولكنك امرؤ رأيك في الكن لا في الضح فذهبت مثلاً، فدعا جذيمة ابن أخته عمرو بن عدي فاستشاره فشجعه على المسير وقال إن نمارة قومي مع الزباء ولو قدروا لصاروا معك فأطاعه وعصى قصيراً فقال قصير لا يطاع لقصير أمر - واستخلف جذيمة عمرو بن عدي على ملكه وسلطانه وجعل عمرو بن عبد الجن الجري معه على خيوله وسار في وجوه أصحابه فأخذ على الفرات من الجانب الغربي فلما نزل الروضة دعا قصيراً فقال ما الرأي فقال ببقة خلفت الرأي فذهبت مثلاً واستقبلته رسل الزباء بالهدايا والألطاف فقال يا قصير كيف ترى قال خطر يسير في خطب كبير فذهبت مثلاً وستلقاك الخيول فإن سارت أمامك فإن المرأة صادقة وإن أخذت جنبيك وأحاطت بك من خلفك فإن القوم غادرون فاركب العصا - وكانت فرساً لجذيمة لا تجاري - فإني راكبها ومسايرك عليها فلقيته الخيول والكتائب فحالت بينه وبين العصا فركبها قصير ونظر إليه جذيمة مولياً على متنها فقال ويل أمة حزماً على ظهر العصا فذهبت مثلاً فقال يا ضل ما تجري به العصا وجرت به إلى غروب الشمس ثم نفقت وقد قطعت أرضاً بعيدة فبنى عليها برجاً يقال له برج العصا - وسار جذيمة وقد أحاطت به الخيول حتى دخل على الزباء فلما رأته تكشفت فإذا هي مضفورة الأسب فقالت يا جذيمة أدأب عروس ترى فذهبت مثلاً فقال بلغ المدى وجف الثرى وأمر غدر أرى فقالت أما وإلهي ما بنا من عدم مواس ولا قلة أواس ولكنه شيمة من أناس فذهبت مثلاً. وقالت إني أنبئت إن دماء الملوك شفاء من الكلب ثم أجلسته على نطع وأمرت بطست من ذهب فأعدته له وسقته من الخمر حتى أخذت مأخذها