للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخرافات من ذلك إشعاراً وقصصاً. وما كان قارئ الحوادث السارة من أنباء الفتوحات وعز الدول وأبهة الملوك ليجد من اللذة عشر معشار ما يجد قارئ الفاجعات والفوادح من خراب الممالك وذل الملوك وبؤس أرباب الرفه والنعيم وحرق العشاق والمغرمين ومصارع الفرسان والأبطال وما إلى ذلك من جليل الخطوب وكارثات المحن. ومما يزيد استمتاعنا بقراءة أمثال هذه البلايا أن يكون المصاب الناشب في مخالب الفاجعة إنساناً محمود الشيمة ميمون النقيبة. خذ مثلاً على ذلك نبأى كاتو وسيبيو. فكلاهما ماجد كريم فاضل. غير أن مصرع الأول وضياع الأمر الجليل الذي كان يحاول أشد روعة في نفوسنا من ظفر الثاني وتواتر النعم عليه وترافد الخيرات والفواضل. وما ذاك إلا أن الرعب وجدان باعث للسرور ما لم يقاربك جداً. والرحمة وجدان مشفوع بالمسرة إذ كان منبعها الحب والانعطاف. والمرء إذا كان قد أعد بالفطرة لإنجاز أمر من الأمور فإن الوجدان الذي يوقظ همتنا إلى محاولة هذا الأمر لابد أن يكون مصحوباً بنوع ما من السرور أو اللذة مهما كانت ماهية هذا الأمر. ولما قضت إرادة الله أن تربطنا جميعاً آصرة العطف فقد أكد أسباب هذه الآصرة بمزاج مناسب المقدار من اللذة. وأكثر ما يكون مقداره أشد ما تكون الحاجة إليه أعني في مصائب الغير. ولو كان وجدان العطف ألما كله لكنا نتقي جهدنا جميع بواعثه من الأشخاص والأماكن كما يفعل قليلو المروءة ساقطو الهمة من المغرقين في الكسل المتغالين في الفتور والتواني. ولكن الأمر بخلاف ذلك في السواد الأعظم من الناس. فأنا لسنا إلى شيء أسرع منا إلى مكان الحادث الأليم والخطب الجلل. وكذلك ترى مشهد الفجيعة أبداً يولد فينا ضرباً من اللذة سواء كان أمام أعيننا أو كان معروضاً على ناظر الوهم في صفحات الأسفار. على أن هذه اللذة ليست صافية بل ممزوجة بجانب عظيم من الإشفاق والكرب. فاللذة هي الحادي لنا على مواطن المصيبة. والكرب هو داعينا إلى إنقاذ أنفسنا من الألم بإنقاذ ذوي البلية. كل هذا يصدر منا بلا سابق تأمل وتدبر بل بغريزة تزجينا إلى غايتها دون اختيارنا.

الفصل الخامس عشر

الكلام على تأثير المأساة

الذي ذكرناه في الفصل السالف هو الواقع في أمر الأحزان الحقيقية. أما من جهة الأحزان