للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العصر الذي كان فيه عصبة النبي قد أتموا تأسيس دولتهم. وألفوا منهم شعباً صلب العود مريراً. لا يقدح في ساقه التعب ولا النصب. يألف الشظف والعسر. ويعتاد كل ضروب الفاقة والحرمان لم تلن بعد من جنبه الخشن نعمة. ولم تهذب من طبيعته المتبدية رفاهية. إذن لكانت الخيبة نصيبهم. وكانت الهزيمة مآبهم.

وينبغي لنا أن نذكر من بين أسباب سقوط العرب، اختلاف الأمم والنحل التي خضعت لملكهم، واستكانت لصولتهم. ويتجلي أثر هذا السبب الأخير في وجهين مختلفين، كل منهما سيئ مشئوم، فالوجه الأول أن وجود أجناس مختلفة في الأمة يبعث على الاحتكاك والاختلاط، وهذا يؤدي إلى المنازعات والمنافسات بين هذه الاجناس المتباينة. والوجه الآخر إن ذلك يحدث الامتزاج والتزاوج، ولا يلبث التزاوج أن يغير دم الفاتحين الغالبين.

وكان امتزاج الأجناس المختلفة في الأمة داعياً أبداً إلى انحلالها السريع وقد شهد التاريخ أنه ليس من الممكنات أن تجتمع الأجناس المتباينة المتشاكلة في يد واحدة، إلا بمراعاة شرطين واجبين، أولهما أن قوة الفاتح قوة يجب أن تكون من التماسك والثبات والصلابة بحيث يوقن كل فرد من الأمة أن كل مقاومة يطلب أو تمرد يروم ليست إلا عرضة سريعة الزوال، وثانيهما أن الغالب ينبغي أن لا يتزوج من المغلوب، حتى لا يؤدي ذلك إلى أن يفنى العنصر الأول في العنصر الآخر، وأنت ترى أن العرب لم تحسب للشرط الثاني حساباً، ولم تتدبره يوماً، على أن الرومان أنفسهم لم يجعلوه دائماً نصب أعينهم ولم يتدهوروا إلا يوم أن تركوه جملة واحدة.

ومن بين الأسباب العديدة التي جرت إلى انحلال العالم الروماني القديم، سبب هو أعظم شأناً، وأفحل خطراً، هو تلك السهولة التي جنح إليها سادة الدنيا الأولون فأباحوا كل حقوق الوطنيين للبرابرة فأصبحت روما منذ ذلك الحين موطن أجناس مختلفة ولم تعد السلطة فيهم للرومان. وانطفأت على أثر ذلك جذوة تلك المشاعر التي ضمنت من قبل عظمة روما ومجدها. إذ كان ابن المدينة الأتربة أي روما حتى ذلك العهد لا يحجم عن بذل مهجته في سبيل مدينته لأن عظمتها كانت لديه مثلاً أعلى شديد الأثر في نفسه قوى السلطان عليه. ولكن أية قيمة. وأي أثر. وأي وزن لهذا المثل الأعلى في نفس المتبربر المتأبد.

وإن من صعاب الأمور وشدائدها أن تعيش الشعوب المتألقة من أجناس ونحل مختلفة