للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تركيا الآن فريقان. كل منهما أحر من الآخر استمساكاً برأيه وأشد منه تعصباًَ لمذهبه. ففريق يدعو إلى وجوب إحداث تغيير تام في حال المجتمع التركي. ولاسيما في مسألة الحجاب. والفريق الثاني هو فريق المستمسكين الجامدين على الآداب القديمة. وهم رجال العهد القديم.

وإذا كانت أمثال هذه المسألة لا تجد إلا قليل أهمية في نظر الفرنسيين. فإن لها لأهمية كبرى في تركيا. لأن الحجاب لم تسنه العادة وحدها بل الدين معها. وللدين قوة هائلة في تلك البلاد. بل الدين هو وحدة الذي تقوم عليه في تركيا القوة الاجتماعية. وإن التغييرات التي أدخلها أنور باشا في تراقيه على لباس الجنود والسماح للسيدات التركيات بالظهور سافرات. أهم كثيراً في حياة الشعب التركي من كل الحوادث السياسية الكبرى.

وليس ثم أمة قوية أو على الأقل قابلة للحياة. دون أن يكون لها حياة اجتماعية. ولا تتفق الحياة الاجتماعية لبلد يعيش نساؤه محتجبات مختمرات. وإن الآراء التي يراها الأتراك في مركز المرأة عندهم قد جعلتهم في معزل عن بقية العالم. وكانت هي السبب الأكبر في تلك الظنون والأحكام المتسرعة التي يحكم بها الغربيون على الأتراك. والتي لا يزال الأتراك أنفسهم يشكون منها ويتألمون. ولكن بدأ بعض أهل النظر الثاقب يفهمون سر سوء التفاهم الواقع بين التركي والغربي. وهو حالة المجتمع التركي. لأن المجتمع وحالة المرأة والأخلاق والآراء العامة. قبل السياسة والجرائد والتجارة وغيرها. عليها تنهض المخالفات. وتشتد الروابط والصلات. وبها يزول سوء التفاهم. على أن الحجاب في تركيا مقصور على النساء في المدن.

أما في بلاد الريف وفي القرى فلا تحتجب المسلمات عن الرجال. إلا قليلاً أو لا تحتجب بنة. وقد رأيت بعيني النساء المسلمات يحاربن جنباً لجنب مع أزواجهن وأخواتهن ورجال قبيلتهن يحملن الماء على خط النار يشجعن الجند. ويسقين المقاتلين. وهن ممتشقات السيف. متنكبات البندقية. غير خاشيات ظهور وجوههن. ولا يزال أنصار الحجاب يحتجون بالأخطار التي تهدد الأخلاق من جراء رفع الحجاب. وتسئ إلى عاطفة قوية. تعتمد في مظاهرها على أنانية الذكر. وغيرته على حق امتلاكه. ورغبته في أن لا يعدو أحد على هذا الحق.