وتحمل عليه من الجو والتعسف وأخذ الناس بالقسوة والعنف في بعض المواطن وحمل الرعية على الطاعة والاحتفاظ بما في اليد من قوة ونفوذ والحرص على السيادة لاسيما في تلك الأعصر الأولى فزينت لي نفسي أن أستأثر بالأمر دون الملك وسولت لي أن أنزله عن سريره فدبرت لذلك مكيدة وتآمرت مع الساقي على أن يدس السم في كأس الملك ولكنه لسوء حظي أخطأ فناولني الكأس المسمومة فمت لساعتي بين يدي الملك ونجا الساقي اللعين بحياته غذ زعم عند الملك أنه تواطأ معي ليوقعني في شر أعمالي.
وكأن الأقدار أرادت أن تسلط على بأس انتقامها وتجزيني بإساءتي الماضية فألبستني جلدة مصري فتزوجت امرأة جعلتني عبرة في الغابرين ومثلاً وأحدوثة في المتأخرين ولقيت من ذل العيش وثقل الدين وسوء العشرة ما جعلني أمضى سابقاً أجلي.
وكانت هجرتي الثانية إلى قاض شرعي فذكرت ما كنت فيه من الدين والحاجة والفقر فقبضت يدي كل القبض وعشت عيالاً على الناس وحميلة على أهل البر حتى صرت بغيضاً إلى الناس مشنوءاً من صغارهم وكبارهم على السواء فعزلت لسوء سيرتي وشناعتها وقضيت بقية أيامي في بؤس وخصاصة.
ثم صرت بعد ١لك نملة فسمكة ولو شئت أن أقص عليك كل أدوار حياتي وكيف تقلبت بي الأحوال. وتنقلت بي الظروف من مدرس إلى جرذ إلى عصفور لأحتجت إلى السنين الطوال لشرحها وتبيانها ولكن أذكرك يا سيدي بتلك الفتاة التي ملك عناتها حبك وخلب لبها فضلك وحسنك والتي كانت تطالعك مع الشمس من نافذتها كل صباح وتسهر لك الليل كل مساء حتى أصابها البرد وماتت، لترى يا سيدي أنا صديقان من قديم وإن ليست هذه أول مرة طوقتني فيها سلاسلك. فعسى أن تدوم لي نفحات برك لتقرن بين قديم النعم وحديثها وتجمع بين تالدها وطريفها.
عبدك العاني - القرد
فلما نزل صاحبنا ورأى القرد ينظر إلى الورقة ثم إليه تناولها وقرأها وما زال إلى اليوم في ليل من الشك مظلم لا يعلم أكتبتها له أم كتبها القرد.