للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فلما كانت سنة ١٨٩٢ انقطع زبلن لدراسة الطيران، وأعلن قومه بأنه صانع لهم مركباً هوائياً عظيماً، يجول في الجو المسافات البعيدة، ويكتشف لهم أجنبي المواقع والسواحل والبلدان - وإذا بصيحة ضحك عالية من الجمهور وضجة عبث وسخرية واستهزاء وقهقهة عالية يمازجها نوع من الرثا، فقد ظن القوم أن الرجل قد عرته جنة أو أصابه مس أو انتابه دخل.

كان أصدقاؤه إذا نظروه يقولون إن زبلن قد أشرف على طفولة الشيخوخة وأما أعداؤه فكانوا أخف رحمة وأقل ضحكاً، كانوا يصيحون إن زبلن مخترع مغرور ممرور.

ولما لم ير في بني جنسه رجاءه المطلوب، قصد رجلاً من أصحاب الملايين في أمريكا ليرهنه مستقبله على قرض يقرضه وهو خمسة آلاف جنيه فما كان من هذا المتمول الكبير إلا أن نهره قائلاً: أن لا أحفل أبداً بأمثال هذه السخافات التي يحلم بها السفهاء!.

ولكن زبلن لم يكن ليرجع عن أمله بل ما فتئ يجاهد غير محتفل بمجون الناس ولا مكترث لمزاحهم واستهزائهم وإهمالهم، فأضاع ثروته وثروة زوجته، إذ كان ينشئ المئات من النماذج والتجارب، ثم يعود فينسخها ويحاول غيرها، يضع النموذج فإذا أتمه وطبق عليه كل قواعد العلم وقوانينه، عمد إلى تجربته، فإذا هو لسوء الخيبة لا يطير!.

وما لبث الناس حتى المعجبون به أن تناسوه بتة واحدة ولكنه جعل يكتب في الصحف ويستصرخ ويحث ويحض ويقول إنه في طريق الحق وإنه في أثر النجاح وأنه وأنه، ولكن عبثاً كان يطلب وباطلاً يريد، ولكن هذا لم يقض على قوة الثبات فيه، بل عاد فادخر بعض المال وعمد إلى مواصلة البحث والاجتهاد، ولشد ما كان عجب الحكومة والشعب والعالم كله يوم رأوا الرجل الذي كانوا بالأمس يسخرون منه ويتضاحكون من سخافته كما كانوا يدعونها، يوم رأوا هذا الرجل يطير ست جولات ناجحة لابثاً في الأخيرة منها محلقاً ثماني ساعات أو تزيد، قاطعاً في خلالها مائتي ميل أوتربو - وكان ذلك في خريف عام ١٩٠٧.

إذ ذاك توارى الشاتمون المتضاحكون في أجحارهم وشقوقهم، خزياً وخجلاً وندماً، واشترت حكومته منه منطاده هذا، بل وأعطته فوق ذلك خمسة وعشرين ألفاً من الجنيهات يستعين بها على تجاريبه.