للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليهم الآخرون نعم إنه مكث دهراً في البحرية ليرى سوء حالكم ويشهد عيوبكم، فلم يلبث أن تأففت نفسه منها فجاءنا وكان منه ما ترون اليوم!.

وكان وهو في الجندرية شاب، يقطع أكثر دهره مطالعاً سير ولنجتون ونابوليون وكلايف، ولم يلبث طويلاً حتى التحق بالفرقة التي جاءت السودان لإنقاذ الخرطوم. فأبلى هناك أعظم البلاء وأظهر أروع ضروب البسالة والإقدام، وقد كان غوردون الجندي القديس كما يسميه الإنكليزي محصوراً في الخرطوم، وكان فرنش قد رفع إذ ذاك إلى رتبة (الماجور) فأنفذه القائد ولسلى مع الحملة الهجانة لإنقاذ غوردون عن طريق الصحراء، فاندفع بفئته مخاطراً مخاطرة مستميتة وقاتل رجال المهدي قتالاً عنيفاً، حتى إذا دخلوا الخرطوم وجدوا غوردون قد قتل.

ثم كانت حرب البوير فتجلت عبقرية فرنش فيها بأجلى مظاهرها، ولعل أعظم شهادة نالها في حياته - والفخر ما شهدت به الأعداء - هي التي صرح بها دي ويت الزعيم البويري المشهور، فإن هذا الرجل بينا كان يمجد شجاعة الجنود الإنكليزية وينوه ببسالتهم كان ينتقص من مهارة ضباطهم، فلما ذكر اسم هذا البطل أمامه، غير في الحال لهجته، وقال نعم إنه هو القائد البويري الوحيد في جيوش الإنكليز!.

ولعل فرنش هو الرجل الفرد الذي ظفر في قتال البوير بالنجاح من الأول إلى الأخر، نزل الكاب في العاشر من شهر أكتوبر سنة ١٨٩٩ وبرحها إلى وطنه في يونيو سنة ١٩٠٢ يحمل لقب أكبر القواد الخيالة في العالم الحديث.

وليس هناك من ريب في أن إنقاذ مدينة كمبرلي، أعظم بلاد الماس في جنوب أفريقيا - كان إحدى مخاطرات فرنش ونادرة فعاله، فهو الذي اندفع بجنوده عدواً على متون الجياد، منقضاً على صفوف الأعداء، هاجماً في بهرة ذلك القتال المستحر.

وهو اليوم في فرنسا قائد الجيوش الإنكليزية يدافع ويناضل وهو في الثانية والستين أشد بأساً وهمة منه في الثلاثين.

ولقد كان هذا الرجل الكبير في كثير من حوادث حياته الحربية عرضة للموت أو هدفاً للأسر أو القتل، فمن ذلك أنه وقع يوماً وهو في حرب البوير في خطر شديد، تحت صيب من القنابل، وهاطل من الرصاص، وجو كثيف من الدخان، ولم تقدر عليه النجاة إلا