للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها لحمل وحده الأمانة، وإذا كان مبلغ القول في وصف كل غنى كريم أنه صراف في خزانة الله فجهد القول في مثل هذا اللئيم أنه لص الخزانة.

وهو على غناه كأنه في الناس من همه بؤس القمار، وكأنه لحقارته ذيل الحمار، إن طلع عليهم فطالع زحل، وإن غاب عنهم فوباء رحل، ومتى ذكروه، فكأنهم أنكروه، وإذا قضى عليهم أن يسموه، فكأنما شتموه، وإذا وصفوه قالوا وجع الأظفار، وذنب بلا استغفار، وإذا عدوا الفئران سبب الطاعون عدوه سبب العدوى بين الطاعون والفار.

وأنه لآية فما رآه الصالحون إلا قالوا اللهم غفرا، ولا رآه الجاحدون إلا زادوا عتواً وكفراً، أما وجهه فلو أنزل الله مرآة من السماء فنظر فيها لصدئت من قبح خياله، كصدأ، ذلك المخزون من ماله، وأما روعته فلو خرج على الحسان لابتلاهن بما يفجأ الظباء من رؤية الفهد، وامتلكهن بما تشعر به المرضع إذا كشفت عن طفلها فأبصرت الثعبان في المهد، وأما جهامته فلو نظر إليه البدر لغرب، ولو أطلع عليه الفجر لهرب، وأما روحه فلو بعثت في خلق آخر لما كانت إلا بقة صيف، في رقبة ضيف، أو بعوضة تلسع العاشق المهجور فتوقظه وقد ظفر بالطيف، وحياته كالبلاء المحتوم، وغناه كالطلسم المحتوم، وأما هو فكالقبر الكتوم.

وأحسب لو رسمه أمهر المصورين فأبدع في خطوطه وألوانه، وأنطقه من عينه وعنوانه، وجعله آية فنه وافتنانه، وترك من يراه لا يحسب إلا أن المصور قد سرقه، أو أن الله تعالى مسخه على ورقه، لبقي مع ذلك في رسمه مغمز لا يصلحه إلا الشيطان الرجيم، ولا تلونه إلا شعلة من نار الجحيم، ومن للمصور بشرارتين من الصاعقة ينزلهما في الرسم لتظهر بهما عيناه، ومن له برقبتي البخل والرذيلة يطبق عليهما يسراه ويمناه، ومن له بلونين من غضب الله ونقمته يظهر بهما في الصورة معنى فقره وغناه؟.

ولست أطيل في القول فما أنا ببالغ من الفول بعض صفاته، وهيهات أن يصفه إلا من يعلم لغة الملائكة فينقل إلى لغة الناس كتاب سيئاته.

بشار بن برد

في طليعة شعراء العرب، وأحد شعراء الدنيا الذين لا ينتطح عنزان في أسبقيتهم في حلبة