للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سيئات السلم

وإذا ظلت السلم في الأمة دهراً لم تلبث أن تتسلط فيها المآرب الشخصية الحقيرة والأغراض الدنيئة المريضة، وتقوم الفتن والمكايد ويمحو الترف آثار الكمال الاجتماعي، ويحتكر المال قوة متطرفة غير شريفة ولا مشروعة ولا تجد الشخصية الكبيرة الاحترام اللائق بها.

يقول شيلر تصوح زهرة الإنسان وتموت جذوره في زمان السلم وعهودها وتموت الشجاعة وتحتضر في ظلال الراحة وخمائل السكون. إن القانون هو ملهاة الضعيف العاجز هو الذي يجعل الناس جميعاً أنداداً وأشباهاً ولكن في الحرب تتجلى شجاعة الإنسان، والحرب تعلى الروح الوضيعة، وترفع كل منحط حقير، بل إن الجبان نفسه ليتناسى اسمه.

يقول هيجل: بلى إن الحروب تخيف وترعب وتزعج، ولكنها واجبة لازمة لأنها تنقذ الأمة من كل ركود أو جمود اجتماعي.

إن الحرب أشد من السلم إيقاظاً للحياة الأهلية وأشد توسيعاً لنطاق القوة الأهلية من كل وسيلة يذكرها التاريخ - نعم إنها تجر في أعقابها نكبات مادية ذهنية ولكنها في الوقت نفسه تثير أشرف الكفاءات في الطبيعة البشرية. ولاسيما في عصرنا هذا. حيث يجوز لنا أن لا نعد نشوب الحرب من عمل الملوك فقط والحكومات. بل هي لسان حال لأمة جمعاء.

إذ ذاك تتوارى المآرب الذاتية الحقيرة أمام ذلك الحكم الرهيب الذي يتلجلج في صدر الحرب وإذ ذاك يجمع الخطر العام الجميع إلى سعي مشترك ونضال فذ، وما الرجل الذي ينزوي عن هذا الواجب وينقبض عن هذا النضال إلا ليستحق أن يركل بالأرجل والأقدام. وفي هذا الاتحاد العناصر الصحيحة التي تخرج للحياة الأهلية ثمار السعادة والهناء، ولسنا بحاجة إلى إثبات ذلك وهذه الحرب الألمانية الفرنسية - حرب السبعين - ونتائجها التاريخية.

وأما الفظائع الوحشية الحيوانية التي تقع عادة في الحروب فيجب أن لا تذكر بل تتلاشى أمام كمالية النتيجة الكبرى وفي الحرب، ولاشك تتجلى قيمة تلك الألقاب الكاذبة والمراتب الجوفاء التي تربت في أحضان السلم ورتعت في بحبوحتها زماناً طويلاً وهناك تأخذ الشخصيات الكبيرة محلها الأرفع الأوجب وهناك تخطو القوة والإخلاص والصدق