للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو اليوم مشهور في الجيش بأنه فارس مجيد ومن أكبر المخاطرين في ركوب صهوات الخيل، ويذكرون عنه أنه قاد كتيبة من الكتائب الخيالة وارتقى بهم درج سلم القصر في بوتسدام حتى قمته، وصعد مرة في طيارة من طيارات زبلن، دون أن يصطحب أحداً أو يخبر والده، ولما كان في جزيرة سيلان ثم في الهند شتاء عام ١٩١٠ أبدى من المهارة والشد والبأس في صيده في الغاب والأحراش ما دل على انه من مهرة الصيادين والقانصين.

وهو فوق ذلك جندي مغوار، أقام سنتين في حامية من حاميات دانتزيج، بعيداً عن برلين وبلاطها، وكان الناس يهمسون أنه كان في دانتزيج مقصياً منفياً، لأن الإمبراطور بدأ يغار من شهرة ابنه، وينفس عليه كبير شأنه ويقولون أن خياله الجيش الألماني لم تر قائداً يحكيه أو يضارعه.

ولعل النقيصة التي فيها إكثاره من طلب الإجازات وإفراطه في التغيب عن وظيفته في الجيش ومرتبته، مرخياً العنان للهوه ومغازلة الحسان، حيناً تراه في سان مورتز في لعبة (المزالق) وحيناً في كييل، إذا أقبل الصيف الناعم الجميل، في يخته، ويغشى دور التمثيل في برلين، على أنه وإن أحب اللهو يحترم جنديته ويكبر من شأنها، وقد تنقل بين أدوار الجندي حتى بلغ رتبة القائد بقوة رأيه وجدارته، وليس حبه للألعاب الرياضية يعد تبديداً لوقته وإسرافاً في شخصيته، لأن ألمانيا كانت قبله بحاجة إلى من يرقى فيها الرياضيات ويرفع اسمها في حلبتها، وقد وجدته في ولي عهدها.

وليس لمظهر ولي العهد ما يدل على مخبره، وليست فيه من المعارف والملامح ما ينبئك عن هوهنزلرنيسه، فهو طويل النجاد أهيف القوام، مهزوله غير عريض الصدر ولا ضخم الكراديس، ولا يخبرك ذهنه عن نصيب كبير من العبقرية أو النبوغ، وعبثاً تطلب مقدرته الحربية وكفاءته الأدبية من ثنايا فسيولوجيته، بل ترى ولي العهد على نقيض والده في تحبهم معارفه ومفتول شاربيه، بساماً مشرق صفحة الوجه، لا تفارق محياه ابتسامة صبيانية طاهرة، وهذا دليل من دلائل وقته.

وهو من عشاق الموسيقى، ويجد التوقيع على القيثار، وهو مجبول على الحياء والتواضع ديمقراطي الآداب، حتى بلغ من حبه للشعب أن اشترك في حفلة زفاف إسكاف حقير في