للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تراه يختم بالزواج رواية غرامية ويظهر بعد ذلك رغبة شديدة في سائر مطايب العيش ومحاسن الوجود، فالفلسفة عند هؤلاء الفئة ضرب من لباس التشريفات يلبسونه في الحفلات الرسمية ليروعوا به نفوس المشاهدين من العامة ويهولوا بمنظره الفتان قلوبهم ويبهروا أبصارهم، ومن تحت الحلة الموشاة والثوب المطرز القميص المعهود من التيل أو الكتان.

وهناك فضلاً عن هذه الفلسفة النظرية الكلامية التي تترك صاحبها يأخذ أقصى ريه وشبعه من مناعم الدنيا صنف آخر من التشاؤم أعني التشاؤم الفعلي الحقيقي وأرباب هذا النوع لا يجادلون ولا يناظرون، وليس لهم مذهب فلسفي وقوانين مشروعة ولا شروح ولا تفاسير، فهم لا يحاولون أن يذكروا أسباب فساد الكون وخطأ سننه ونواميسه، وإنما يبغضون الدنيا من حبات أفئدتهم ويكرهون جميع ما تظل السماء. وتقل الغبراء، من سويداوات ضمائرهم ويرون أن قبح العالم ولؤمه واختلاله جديرة أن تغري الإنسان بالانتحار. أقول مثل هذا النوع من التشاؤم لا يقبل المناقشة والرد وإنما كل ما يستطاع أزاءه هو أن يتناوله الإنسان بالتحليل والتشريح للوقوف على أصله وعلته، فبإجراء هذا يعلم أن هذا التشاؤم هو أحد أعراض مرض العقل في بدايته أو عند بلوغ أقصى شدته، وقد شاهد الأطباء وعلماء النفس أن الجنون كثيراً ما يظهر في ابتداء أمره بحالة الماليخوليا (أعني الاكتئاب المجهول السبب) فترى المصاب يلازم الحزن والإطراق ويعتزل الناس ويرمي كل ما في الوجود بعين البغضاء والمقت، والسر في ذلك أن في عضو التفكير العقل خاصة مرعبة مخيفة وهي أنه إذا أخذت فيه عوامل الفساد تنبأ بما سيكون من جليل خطبه وهائل مصابه وكان له القدرة على تتبع مسرى الداء فيه والعلم بأن التلف مصيره والخراب مآله وهكذا يحصر العقل نظره في أمر اضمحلاله وانحلاله وتستغرق التفاته هذه الرواية المحزنة حتى لا يبقى لسائر أمور الدنيا من هذا الالتفات والنظر إلا فضلة خسيسة لا تريه من الدنيا وأشيائها إلا أشباه الأشباح الضئيلة، فلا غرو أن كانت الدنيا تتراءى لمثل هذا العقل المصاب مثلما تتراءى للعين الرمدة أعني عالماً مملوءاً تشوشاً واختلاطاً وظلمة، فشعروا التشاؤم والتبرم قد كانوا ولا شك مراض العقول، فالمشاعر لينو مات مجنوناً، والشاعر ليوباردي كان يشتكي علة في عضو التناسل قد عرفها الأطباء من أمراض العقل، والشاعر (هاين) بدت