سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولاً لا أبالك يسأم
وفي أكر من مائة وعشرين لا يطمع امرؤ في البقاء. فأخو المائة محسود ومن يغتبط في زهرة الشباب في العشرين أو الخامسة والعشرين يحزن عليه ويبكي فهذه الوجدانات وجدانات الأمل والحسد والحزن والرحمة التي تنبع من ثرى أفئدتنا عفواً لا نطيق لها رداً ولا نقداً إنما هي فيض الكامن العتيد في نفوسنا من التفاؤل.
أما رضانا بالمائة وعشرين غاية لأعمارنا فذلك لأنه قلما نرى ذلك الأمد يتجاوز ولو كان متوسط عمر الإنسان هو كعمر الغراب أو الفيل أو بعض أنواع السمك مشتى عام أو ثلاثمائة لطلب أحدنا أن يبقى هذه المدة ولساءه نبأ من يعلمه أنه قد قدر له الموت في سن أقصر من هذا مائة وخمسين سنة مثلاً مع أنه لا يطمع فيما فوق المائة والحال كما هي، وعلى عكس ذلك لو كان متوسط العمر البشري هو كعمر الحصان ثلاثين أو خمسة وثلاثين عاماً إذن لما رغب امرؤ قط في البقاء أكثر من ذلك ولأصاب الذي يموت في هذه السن من حسد الناس إذ ذاك قدر ما يصيبه في الحال الحاضرة من الرثاء والرحمة.
هذا ولو أنه قد حدث مرة - مرة واحدة - أن آدمياً أفلت من حبائل الموت إذن لأمل الخلود كل إنسان ولما طابت نفس امرئ قط عن الروح تفارق جسده ولو بعد ألف عام - ولرأي الناس في الموت إذ ذاك من الهول والبشاعة مثلما يرون في أفظع قتلة وأشنع ذبحة مما يتقيه كل فرد بأقصى جهده. فأما والخلود لم يعرف قط عن آدمي فليس من الناس إلا من طاب نفساً عن الحياة وأخلد لفكرة الموت راضياً مستسلماً غير متوجع ولا محزون قانعاً من دنياه بتأميل امتداد الأجل إلى أقصى الممكن من الغابات أو ليس من المستطاع أن يمتد عمر الإنسان إلى بضع مئات أو بضع آلاف؟ نحن لا نعرف برهاناً قاطعاً على استحالة ذلك. ولكننا على كل حال لا نطمع في هذا الأمر وما ذلك إلا لأنه ليس الواقع. أفمن الضروري أن تختم بالموت حياتنا؟ نحن لا نرى في ذلك ضرورة ولزوماً بالرغم من اجتهاد الأستاذين ويزمان وجوتي في إثبات أن الموت حكمة عليها تقوم أكبر مصالح الإنسان. ومع ذلك فقد ترانا نوطن النفس على فكرت الموت المرعبة ولا علة إلا يقيننا بأنه ضرب لازب والحقيقة أنه قد ركبت في طباعنا غريزة قبول القدر المحتوم بنفس طيبة