للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأسماء والمصطلحات والموصوفات.

وقد يبدو لأول وهلة أن هناك عدة من الحوادث التاريخية، تناقض كل ما قدمنا ولكنا لو تعمقنا في دراستها وبحثها لم يلبث هذا التناقض الظاهر أن يزول، فقد يظن أن العرب مثلاً قد نشروا شرائعهم التي اشترعوها في شعوب تختلف عنهم كل الاختلاف ولكنا لو درسنا الأمم الأسيوية والإفريقية التي بسط العرب فوقها عقيدتهم وملكهم لرأينا أن الشرائع الداخلية في أكثر هذه الأمم لم تكن تختلف بعضها عن بعض إلا قليلاً جداً، وأن القرآن في الأحوال التي كانت تختلف فيها شرائع العرب عن شرائع الأمة المغلوبة اختلافاً جوهرياً، كالشرائع التي كانت عند المغاربة مثلاً، ولم يستعمل إلا نفوذاً ضعيفاً، غير مكره ولا قاهر، ولقد كان العرب أعقل من ساسة هذا العصر وعلمائه فعرفوا أن شرائعهم لن تلائم جميع الممالك التي فتحوها فأخذوا دائماً على أنفسهم أن يبيحوا الأمم المهزومة البقاء على شرائعها والاستمساك بأنظمتها وآدابها وعاداتها ومعتقداتها.

ولما كانت الشرائع - كما قدمنا - هي المعبرة عن حاجيات الأمة وعواطفها فما كانت لتتغير إلا إذا تغيرت هذه الحاجيات وهذه العواطف نفسها، وقد أظهر التاريخ أن تطور الحاجات والعواطف لا يكون إلا بعد سلسلة متطاولة من الطوارئ الوراثية والإحساسات المتعاقبة المتلاحقة، وهذه لا تكون إلا بعد تراخ من الزمن طويل، فإن بين البرابرة الذين أغاروا على الدولة الرومانية وبين أخلافهم وأعقابهم في النهضة العلمية فرقاً عظيماً، ولكن هذا التطور العظيم لم يحدث إلا بعد أن انصرف ألف عام، ومن ثم يتقرر أن النواميس التي يجري عليها تطور جميع الكائنات الحية هي نفسها التي يجري عليها تطور الشرائع الاجتماعية فإن بعض الحيوانات الحية التي كانت تعيش في أعماق الماء، في العصور الجيولوجية الأولى قد انتهت على ممر الزمن بأن اكتسبت الحواس والأعضاء الضرورية التي استطاعت بها أن تعيش في الهواء.

إن العوامل الهامة في تكوين الشرائع هي طبيعة الشعب، ثم الوسط، ثم وجوه المعيشة وأساليب الحياة، وطائفة أخرى من العوامل، أهمها الضرورة، وآخرها رغبة الناس، وللزمن وحده القوى الكبرى على تحديد هذه جميعاً، فإذا رأينا أمة تعيش على شرائع ظلت عليها الدهر الأطول، فلنا أن نقرر أن هذه الشرائع هي أشد الشرائع ملاءمة لها واتساقاً مع