يعروها الانحطاط في هذه الأصقاع الحارة فما هي إلا بعضة أجيال حتى تراهم أمة دنيئة ونوعاً سافلاً ينزلون من إخوانهم الساكني البقاع المعتدلة منزلة الزنجي أو الأحمر من الأبيض، وهذه حقيقة لا ريب فيها فإن أوفر الشعوب البيضاء رجولة وأعظمهم فروسية ينالهم الاضمحلال في البلاد الحارة في ظرف أجيال قليلة فإذا هم لم ينقرضوا البتة بعوامل العقم والمرض فإنهم على كل حال يصبحون من الضعف والبلادة والجبن والغباوة بحيث لا نخالهم إلا خيالات لآبائهم وأجدادهم، كذلك مآل أولئك الفاندال الأقوياء الجسام الذين غزوا قرطاجنة رجالاً ضخاماً فلم يك قرن أو زهاؤه حتى أخرجهم البيزانطيون الأدنياء من تلك الديار نعاجاً وأنعاماً.
وهذه العملية بعينها تشاهد حتى اليوم في الأقاليم الحارة التي يستعمرها الجنس الأبيض، فلقد ذكر أحد الاختصاصيين أن عدد الزيجات التي وقعت بين ذكران وإناث من الجنس الأبيض في مستعمرة غينينا الفرنسية فيما بين ١٨٥٩ و١٨٨٢ هو أربعمائة وثمان عشرة فمئتان وخمس عشرة من هذه بقيت عقيمة، والمائتان والثلاثة الباقية أنتجت أربعمائة وثلاثة أطفال.
ومن هذا النسل أربعة وعشرون ولدوا أمواتاً، ومائة وثلاثون وثمانية هلكوا فيما بين عامي ١٨٦١ و١٨٨٢ على أعمار متفاوتة، وعلى ذلك فإن مائة وواحد وأربعين ولداً هم جميع ذرية طائفة أوربية من المتزوجين عددها ثمانمائة وستة وثلاثون في مدة ثلاثة وعشرين عاماً، وما أفسدها مع ذلك ذرية، وما أحطها سلالة، وماذا عسى أن تقول عن نسل قصار دمام ضعاف عجاف صغار الهام، ضئال الأجسام، خلا عدة غير ذلك من النقائص والمعايب، والمساب والمثالب.
وهكذا نرى أن نازلي الأقاليم الحارة عرضة للانحطاط والتقهقر فلا يزالون يسلبون محامد السلف الصالح حتى لا يبقى لهم من آبائهم إلا لغة فاسدة وزهو بالنسب والمحتد فأمثال هؤلاء الضعاف الضئال لا يستوجبون من المهاجرين الأقوياء احتراماً ولا مودة ولا إنصافاً ولا رعياً لحرمة ولا وفاء لذمة.
لذلك لا يلبث هؤلاء الأقوياء الذين قد ضاقت بهم أوطانهم وشحت أرزاقهم وأقواتهم أن ينقضوا على أولئك الأصاغر الأدنياء فيفنونهم ويقوموا مكانهم ليكافحوا من ذلك الجو عدواً