للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واحد، كما يقول الشاعر بوب هو البحث في تاريخ النوع الإنساني كله.

ونحن نعرب له منذ هذا العدد - بعد أن نقلنا في الأعداد الماضية ثلاث قصائد من أبدع قصائده - رواية جوسلان، وهي قصة شعرية مستفيضة، تجيش بكل معاني الحياة وفلسفتها، وتصف في أبلغ وصف ضؤولة الإنسان وحقارته، إزاء عظمة الأقدار الإلهية وقوتها، وكان الشاعر قد بدأ ينظمها منذ شبيبته، ولم يفرغ منها إلا في أيام كهولته، كان ينظم القطعة منها إذا التهبت فيه حرارة الشعر، ثم يتركها فلا يعاودها إلا في عاصفة أخرى من عواصف شاعريته، وليست رواية (جوسلان) هذه من المخترعات الشعرية ولا من نسيج الخيال، وإنما هي قصة واقعية استمدها الشاعر من تاريخ أسرته، وقد وقعت حوادثها في خلال الثورة الفرنسية، وكان لامارتين ولد قبل نشوب تلك المجزرة بثلاثة أعوام، أما جوسلان بطل الرواية، فهو قسيس من أهل الريف، وقد استمد الشاعر وصف خلق الرجل من قسيس صديق له، يدعي الأب ديمونت، كان من أهل بلدة ميلي، مسقط رأسه، وقد حشد فيها الشاعر كثيراً من ذكرياتها الشخصية، وحوادث حياته، وعواطف قلبه، وعدة من آرائه الفلسفية ومبادئه.

وقد قسم الرواية إلى تسعة أعصر ومقدمة وخاتمة، وجعلها مذكرات كتبها القسيس جوسلان في أيام حياته، ثم وجدت بعد مماته، وسنقتصر في هذا العدد على تعريب المقدمة والعصر الأول، ذاهبين في التعريب إلى شيء من التصرف، وسنوالي تعريب كل عصر منها في كل عدد من الأعداد القادمة حتى تكون قطعة كل عدد منها كأنها موضوع مستقل.

المقدمة

كنت صديقه الوحيد في هذا العالم بعد شائه وغنمه. . فغدوت إليه كعادتي في الكنيسة سعياً على القدم. . أسير صاعداً في طريق ضيقة، أحمل بندقيتي فور منكبي وأقبض في كفي على مقود كلبي، أتسنم متعباً تلك الروابي المشتبكة المتناوحة المتقابلة، مفكراً في تلك البهجة الحلوة التي سأنعم بها عند المغيب، إذ أطرق بابه، وأرقى درج سلمه، وإذ أجلس إلى ناحية من موقدته المشتعلة المتوهجة، وإذ أشهد الغطاء الأبيض الناصع قد أمتع فوق خوانه، وأرى المائدة قد صفت فوقها ألوان الخضر والفاكهة، متأملاً مجلسنا ونحن نتحدث تحت جنح الليل ونسمر، وكأنني أسمع صوته الحنون الرقيق، وجرسه الخفاق الناعم،