للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجيش الراجل. وهذب الكتائب الخيالة الراكبة، ونقى القواد من العجزة وغير الأكفاء وأعاد التحسين في التحصينات والمعاقل والاستحكامات.

وكان جوفر ثاقب النظر فتنبأ بأن الحرب ستكون على خلاف الحروب السابقة كلها لأنها ستنشب في ميدان متطاول عريض ممتد، يكون فيها الصبر أعظم نفعاً من الإقدام ورباطة الجأش أفعل أثراً من المجازفة، فكان يقول الآن لن يعود القائد العام بعد هو الذي يكسب الموقعة بل سيكسبها منذ الآن صغار القواد والضباط، ومنذ الآن ستقع الوقائع على خطوط تربى في طولها على ثلثمائة ميل، وأين قبضة رجل واحد أن تلم على مسافة هائلة كهذه وستكون الجيوش التي اختلق بالنصر هي التي تكون أطولها صبراً وأشدها احتمالاً، وأرفعها نشاطاً، وأقواها إيماناً بالفوز الأخير.

وهو على ما به من دأب وطول عمل، وكثرة مشاغل، تراه في حياته الخصوصية، بين أسرته وأصدقائه وصحبه وديعاً طيب المحضر، عذب المجلس، يميل إلى المشي في دروب حديقته في القرية، يصحب زوجته إلى السوق، ويشارك فتاتيه مارسل وأنيت في التوقيع على المعزف البيانو وينزل على أمرهما فيرفع الصوت صادحاً منشداً، ويركب هو والفتاتان الجياد يروحون النفس في غاب بولون ومسارحها.

وأعجب ما في خصاله أنه لا يرضى أن يتداخل أحد في نظامه اليومي الذي اختطه لنفسه، فقد حدث في ذات ليلة من ليالي هذه الحرب، أن ضابطاً من أركان الحرب جاء إلى مضارب الجنرال جوفر بنبأ مستعجل ضروري محتم وكان الجنرال قد أوي إلى فراشه فأخبر الضابط أن القائد لا حاجة إلا إيقاظه، فإنه قد ترك التعليمات اللازمة إذا عرضت أمور في ثلاثة أغلب موضوعة هنا، فاكتفى الضابط بأن فض أحدهما فوجد فيها ما يتعلق برسالته وفي الحال طير التعليمات.

وتراه يتبع إلى اليوم أسلوب حياته الذي يعيش عليه منذ زواجه، وذلك منذ ربع قرن مضي، فهو يستيقظ - وذلك قبل نشوب الحرب - مبكراً فيشتمل في ملابسه فيقضي عشرة دقائق في الألعاب الرياضية، يعقبها بالاستحمام بالماء البارد، فإذا مضت ساعة من الزمان رأيته على ظهور الجواد نشيطاً يسير الهوينا بين صفوف الأشجار الفنيانة. عند غابات بولون ورياضها، حيناً في رفقة أصحابه من الضابط، وأكثر الأحيان في صحبة إحدى