للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

منتقلون إلى تشخيص المرض، ثم إلى العوامل التي أحدثته وعملت على نمائه وانتشاره.

أنا نعيش الآن ضعاف الأعصاب، مرضى الأذهان، خائري القوى، مفقودي الرَوْح والنشاط، مخدرين بكل أنواع التخدير، مقتولين بكل ضروب الضعف والزمانة والذهول والفتور، والعالم يئن اليوم من مرضين عضالين يريدان أن يستبدا بكل مظاهر الحياة، ويفتكا بالجيل والناشئة وينحدرا إلى السلالة والذرية، وهما يزدادان كل يوم شرة وتفاقماً وخطراً، وهذان المرضان هما الانحطاط والهستيريا بمراتبهما، ولا نريد بالانحطاط إلا الأمراض العقلية المختلفة التي تدخل في حدود الجنون، وقد عرف الأطباء هذا الضرب من الانحطاط بأنه اختلال في الأجهزة المخية وانحراف فيها عن مستوى العقل الصحيح، وليست الهيستريا وغيرها من الأمراض العصبية بأقل في أحداث آخر زمن من الانحطاط الذهني ودرجاته، ولا يذهبن أحد إلى أن الهيستريا لا توجد إلا بين النساء فإنك لتلتقي بها أحياناً بين الذكران، وهذان المرضان الخطيران سائدان بين الجمهور في البلاد المتحضرة ذائعان، يطبعان أعراضهما على كل عمل يعمل، وكل أسلوب من الحياة يعيش، ويمتزجان بأكثر ما يكتب ويقرأ ويقول.

وقد أرجع أكبر أطباء الغرب هذا الانحطاط إلى التسمم، فإن جيلاً قد اعتاد سواده أن يلح على المخدرات والمنبهات المختلفة الوسائل والأنواع، كالخمور والتبغ والأفيون والحشيش والمورفين، ويكون عرضة للسموم العضوية كالحمى والزهري والسل الرئوي والحنجري وغيرها، سينزل ولا ريب منها حيل منحط مريض، وإذا ظل هذا الجيل المنحدر يأخذ من هذه المخدرات ما أخذ الجيل الذي كان قبله، فأنت واجده ولا شك هاوياً إلى أحط أنواع الانحطاط الذهني، إلى البلاهة والحماقة والعته والذهول وأشباهها، ولو اطلعت إلى الإحصائيات لعرفت مبلغ التسمم الذي يجري كل عام في أجسام الشعوب المتحضرة، ولا تزال المقادير التي يتناولها العالم من المخدرات والمنبهات كل عام في ازدياد مطرد وارتفاع مستمر، ولاسيما الحشيش والأفيون وإن كانت مصيبة مصر وبعض أمم الشرق منهما أشد من مصيبة الغرب.

والعامل الثاني الذي عمل على إنماء مرض الانحطاط، وهو أكبر أسباب مرض العصر - آخر زمن - هو سكنى العواصم والمدن الكبرى، فإن ساكن المدينة الكبيرة - حتى الغني