للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا كذكور النحل في الخلية الكبرى، والغوغاء في الشارع يتلكؤون وينظرون في الحوانيت إلى الذين يعملون ويكدون.

ثم لا تدعوهم كذلك يتوهمون - كما هي عادتهم - إنهم عقلاء وفلسفيون وإن من أكبر الحزم أن يكونوا راضين قانعين، فقد يكون الذهن القانع الراضي سعيداً في أي الأحوال كذلك الحمار الأورشليمي، والنتيجة من ذلك أن كليهما يوضع حيث تضعه ويرضى حيث تعامله.

فإذا كنت من الحماقة بحيث ترضى بالرضى والقناعة فبالله عليك لا تظهرها، ولكن تسخط مع المتسخطين ووسوس بالشكوى مع الشاكين وإذا استطعت، أن تعيش على القليل فلا تطلب إلا الكثير، لأنك إن لم تفعل فلن تظفر إلا بالقليل ولا بالكثير إذ ينبغي في هذا العالم أن تسير على المبدأ الذي يسيطر عليه المطالبون بالحق المدني في ساحات القضاء تعويضاً عن الخسائر التي لحقتهم إذ يطلبون عشرة أضعاف ما يظنون أنه يرضيهم، فإذا أحسست من نفسك أن مائة فلست بظافر إلا بعشرة.

وهذا ما وقع فيه المسكين جان جاك روسو، فقد حدد أوج سعادته الأرضية بأن تمني أن يعيش في بستان أغن وأن تكون إلى جانبه امرأة محببة وأن يكون له جاموسة. . . فلم يظفر حتى بهذه نفسها، فقد أحرز البستان، أو ما يجوز أن يسمى بستاناً، ولكن المرأة التي وجدها لم تكن محببة، ولكي تكون المصيبة تامة جاءت معها بوالدتها، ثم لم يظفر بالجاموسة، ولو كان روسو المسكين أقر في ذهنه أن يكون رب ضيعة واسعة في الريف وبيت حافل بالظباء العين ومعرض من البقر والجاموس، إذن لما عتم أن عاش لكي ينعم على الأقل بقطعة من الأرض، وبرأس واحد على الأقل من الماشية، ولعله كان واقعاً على ممر الزمن بأندر النادر. . . وهي المرأة المحببة حقيقة.

هذا وما أبلد ما تكون الحياة لهؤلاء القانعين الراضين، وما أثقل عبء الوقت على رؤوسهم وأكتافهم، ثم أية خواطر وأفكار بعيشك تجول في أذهانهم، إذا فرضنا أن لهم خواطر وأفكاراً، وما أظن إلا أن قراءة الصحف وتدخين اللفائف هي كما يلوح لي الغذاء الذهني الذي يزدرده سوادهم، وأما الباقون وهم أقل بلادة وخمولاً وفتوراً فيضيفون إلى هذه التوقيع على القيثار والكلام في حق الجيران!