للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنين.

اليوم الثالث

وأما أديب فأول عدد أصدره من جريدة مصر أصدره في القاهرة. وقد أعدت له مقالة موضوعها العبادة الفتيشية لقرب عهد المذاكرة في هذا الموضوع على ما تقدم وجعلت لها توطئة من عندياتي تعبت فيها جداً حتى جاءت على ما أحب (وهي التي كانت غرضي في كل تلك المقالة) ودفعتها إلى أديب لينشرها في أول عدد يصدر من جريدته فلم يبد عليها أقل ملاحظة وكان يقيم هو في المكان الذي كنت فيه. وقد تأخر صدور العدد الأول أكثر من أسبوعين وكلما سألته عن ميعاد صدوره كان يجيب بأن أسباباً طرأت أخرت صدوره ولكنه لم يذكر لي شيئاً يختص بمقالتي. ثم قبل صدور العدد بأيام قليلة عزمت على ترك القاهرة والعودة إلى الإسكندرية. وبعد وصولي إليها بأيام وصلني العدد المنتظر من الجريدة وبالطبع أول ما بحثت عنه مقالتي وهي كانت أول مقالة نشرتها في جريدة مصر. ولقد دهشت جداً لما رأيتها منشورة ولكنها مبتورة والتوطئة التي كانت موضع إعجابي - لأنها كانت لي وكل فتاة بأبيها معجبة - محذوفة بلا شفقة ولم ينشر من المقالة إلا الحوادث المعروفة في الكتب والتي هي شواهد على حقيقة هذه العبادة في الأمم والقبائل المختلفة. فأخذتني سورة الغضب من صاحبي ولاسيما من تكتمه هذا وهو معي كل يوم فكتبت له كتاباً بأحرف من نار أظهرت له فيه مزيد استيائي من سلوكه هذا المسلك معي وحسبت ذلك آخر العهد بيننا لتبايننا في الأخلاق. أما أديب فكان إذا جرح يعرف كيف يؤاسي فما عتم أن وردني جوابه فكان لغضبي كالزيت الطافي فوق أمواج البحر الهائج فاسترضاني بذكائه أكثر مما أغضبني بحيلته وكان جوابه شعراً في أكثر من عشرين بيتاً من النظم الرقيق الخفيف لا أروي منها سوى الأبيات الثلاثة الأولى والكتاب فقد مني. قال: ـ

العذر ثم العذر يا سيدي ... من حادث ما إن جرى عمدا

قد ألزموني حذف ديباجه ... كانت لجيد صحيفتي عقدا

قالوا تمس الدين في بلد ... كل له فيه غداً عبدا

وهذا كان شأنه معي كلما طرأ طارئ أثارني ضده وأديب كان كاتباً مصوراً فإذا وصف شيئاً أراكه كأنه مرسوم أمامك وقد وقع لي مرة أني كتبت له كتاباً طويلاً في أمر تأثرت