للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنسان سيد الأسماك والطيور تصيده ضفائر الفتيات والحسن يقود الرجال بشعرات. بهاتين الضفيرتين أولع البارون الجسور. فما هو إلا أن رآهما حتى تطاول إليهما سوم طاوية الضفور وضارية النور ولما أبى إلا نيل بغيته. شرع في أعمال حيلته. وتدبير خطته. سيان عنده الكيد ومخاتلة. والبطش والمصاولة. بحجة أنه متى كلل النجح سعى العاشق الملتاع. فليس يحفل الناس أكان ذلك بالغضب أم بالخداع.

لذلك لما شابت ذوائب الظلماء. وهم نجم الصبح بالإغفاء ركع هذا البارون لربة الحب وتضرع إليها أن تنيل طلبته. وتقضي حاجته. وأقام لها قرباناً من اثنتي عشر قصة من غزليات شعراء الفرنس ذهبية الأغلفة ووضع على هذه المجلدات ثلاثة مناديل ووشاحين وقفازتين وغير هذه من آيات حوادث غرامه السالفة ودلائل معاشقه السابقة. ثم جاء ببعض ما لديه من رسائل الحب فأضرمها وبذلك اللهب أشعل القربان الذي هيأه. ثم أزكى الضرام بخمس زفرات من صدره الحران. وقلبه الولهان. وبعد ذلك سجد للربة وابتهل إليها أن تقدره على نيل بغيته. ثم تبقيها مدى العمر في حوزته. فسمعت الآلهة دعاءه فقضت له نصف حوجائه. ونصفها الثاني أطاره عاصف الريح في نكبائه.

وانسابت السفينة الأنيقة في تيه وخيلاء وخفقت الأشعة على بساط الماء، وسرت أنغام الآلات في صفاء جو بديع. ورقت على الموج لطاف الألحان قد براها الشجا فكادت تضيع. وسالت الأمواج لينة المسيل. ولاعب سيالها كل نفس من لين المطرد عليل. في تلك الساعة السعيدة تبسمت من السرور بيلندا فابتسم لابتسامتها الوجود وسبح الماء والهواء بحمد خالق بيلندا الإله الموجود.

ولكن الملك الحافظ حارس المليحة كان بحازب الهم مقهوراً وفي حومة الغم مغموراً. فأومأ إلى أعوانه وجنوده. فانضوت إلى ظل أعلامه وبنوده. وجعلت تتهامس من خافت أجراسها. بما ظنه أهل الأرض خفيف الرياح ودوى وسواسها وبعضها أقبل ينشر في بهاء الأشعة وشى جناحه. وأخرى أنشأت تهبط الماء كأنها سحب من العسجد وتارةً تركب من الهواء كواهل رياحه فيا لها من خلائق لطفت فغابت عن الأبصار وكأن أجسادها للخفاء جواهر مذابة في أضواء وأنوار. وقد طارت منها في الهواء أطراف الجلابيب والحلل. وما حللها إلا الشفوف حاكتها يد الغزالة من الندى والطل. ثم غمستها في أبهج أصباغ السماء.