للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشخصي شر العوامل الرجعية في السياسة، حتى لقد قال مستر لويد جورج يوماً إذا أنا وجدت الإحساس الشخصي يريد أن ينازع ضميري حطمت هذا الإحساس تحت قدمي تحطيماً.

ومستر لويد جورج يميل إلى الحدة في التعبير، والحمية في الأسلوب، وإنك لواجده في حجرته من دار مجلس العموم يحسو الشاي مع البرلمانيين، وهو في أشد لهجات الحديث، وأحر أساليب القول، ولعل المصريين كذلك يتبينون من تصريحات دولة الرئيس رشدي باشا حرارة في الأسلوب، وغرابة في اللهجة والتعبير، لأن رشدي باشا يضع جميع أعصابه في كل كلمة يقولها، وكل كلمة يكتبها، وإنك لتقرأ تصريحاته الخطيرة فكأنك تقرأ صفحة روحه ظاهرة للعين بينة، لأنه لا يستطيع أن يمنع الفيض الجياش المندفع من فؤاده، أو أن يمسك عليه إخلاصه المنحدر، وأنت تعلم أن الرجل المخلص هو دائماً رجل حاد المزاج، حار اللهجة لأن من أكبر أكبر أعراض الإخلاص الحرارة والتأثر، أما الرياء والكذب والخداع فتخفي نفسها دائماً وراء الهدوء والبرود والصمت والسكون.

ومستر لويد جورج رجل صريح، وأكبر أعدائه المواربة والنفاق، وهو أجرأ الناس على قول جميع ما يجول في نفسه، وهذه المزية المحمودة هي من أكبر صفات الرئيس رشدي باشا فهو لا يمتنع عن إبداء رأيه الصريح الخالص في أخشن مواطن السياسة وأعظم المسائل المتعلقة بشؤون الحكومة لأنه يؤثر أن يفقد الدنيا بأسرها على أن يفقد قطعة صغيرة من ضميره، ويرى أن المنصب على خطورته لا يتطلب أن يخسر صاحبه وجدانه من أجله، وهو يعلم أن الحياة - وإن ارتفع الإنسان إلى مقاعد الملوك - لا تستحق أن يعيش الرجل يوماً واحداً وضميره محبوس في أدراج مكتبه مع الخاتم الذي يوقع به على أوراق الحكومة ومكاتباتها.

هذا والرئيسان يميلان إلى التواضع، فقد روى مستر أوكونور العضو البرلماني المشهور عن مستر لويد جورج ما يأتي: هو لا يحب المجتمعات بل يأخذه منها الملل، وتعتريه السآمة، وإذا أراد يوماً أن يتمتع بمساء جميل، جمع إليه أصدقاءه، وصرف أكثر الليل مصغياً أكثر منه محدثاً، وهو يجنح إلى البعد عن أنظار الناس والاختفاء عن عيون الجماهير، وقد شهدته يوماً في أشد الاضطراب إذ رأى جمعاً من الناس ينظرون إليه