للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجتمع لا للفرد المنعزل. فحالة هذا الإنسان أشبه شيء بحالة روبنسون كروسو (المزعوم في القصص أنه عاش حقبة من الدهر منفرداً في جزيرة أفضى إليها مفرده عقبة عاصفة أودت بكل من كان معه من ركاب سفينة كانت تسير في المحيط الهادئ الجنوبي) إذ يعيش وحده في جزيرته. فلا شك في أن روبنسون هذا كان لا وجود قانون العقوبات في نظره فهو لا يعمل غير الطبيعة ومهما صنع من قتل حيوان أو سرقة بيض طائر أو عشه فعمله هذا لا يعد من الوجهة القانونية قتلاً أو سرقة. فالمجنون الأناني هو روبنسون كروسو يعيش تخيلاً وتوهماً في جزيرة منفرداً وهو مع ذلك عاجز عن ضبط نفسه فهو لا يرى الناموس الأدبي العام وكل ما يحتمل أن يراه ويعترف به - ولعله يأسف على حدوثه - هو خرقه القانون الأدبي بالنسبة لنفسه - أعني عجزه عن قمع نزاعاته فيما يعود بالضرر على ذاته خاصة.

وهناك حالات من المرض يكون الجنون الأناني فيها مقروناً بفسائد الحواس والغرائز، إذ لإخفاء أن الحواس والغرائز إذا فسدت أدت أعمالها على عكس قوانينها المعهودة وفي عكس مناهجها القويمة. ففي حالة فساد الذوق ترى المصاب يشره إلى إلتهام الأشياء التي ينفر منها السليم الذوق بمنتهى الإشمئزاز والكراهية أعني الأشياء المعترف بأذاها والتي تنبذ من أجل ذلك - كالمواد العضوية العفنة والروث والسرجيم والبصاق والمخاط وهلم جرا. وفي حالة فساد الشم ترى المصاب يفضل روائح العفونة على نفحات الريحان والأزاهير. وفي حالة فساد الشهوة للنساء ترى المصاب يشتهي الأمر المنافي للفطرة والحكمة أعني المنافي لإبقاء المثل. وفي حالة فساد الشعور الأدبي ترى المصاب يألف ويلتذ الأعمال التي تملأ الرجل الصحيح اشمئزازاً وكرهاً. نقول فإذا كان الجنون الأناني مقروناً بهذا الفساد من الحواس والغرائز فإن المصاب لا يقتصر أمره على مجرد قلة الشعور بالخير والشر وعدم التمييز بينهما بل يتعدى ذلك إلى ما هو أخبث وأرذل أعني الميل المتعمد إلى الشر بإعظام شأنه في الغير وإتيانه إياه بذاته كلما استطاع إليه سبيلاً ثم يجد فيه من الحسن والجمال ما يجد الرجل الصحيح في الخير.

والجنون الأناني - مقروناً بفسائد الغرائز أو غير مقرون - تختلف مظاهره بإختلاف البيئة والدرجة الإجتماعية المنسوب إليها المصاب، وكذلك بإختلاف مشاربه الخاصة وخصاله