وكلما تقدمت في الحياة ازداد مقامها انحطاطاً واتسعت الفروق التي بينها وبين أخيها انفراجاً حيث يذهب هو إلى المدرسة ليتلقى علوماً تثقف عقله وتهذب نفسه وتزج هي في سجن الحجاب فلا تخرج منه إلا إلى القبر. وإن حاولت الهروب والخروج حيث الهواء الطلق والطبيعة الجميلة تعاد إليه مع الضرب والزجر حتى تنصاع وتألف رجلاها القيد فتلازم بيت أبيها غارقة في غياهب الجهالة لا تدري من أمر الحياة ما لا يزيد عن السليقة والإلهام بالشيء الكثير.
تحيا وتموت من غير أن يتعهدها معلم يهذب نفسها ويقوي مداركها. فما أشبهها بالشجرة الشيطاني التي تنبت في الفلاة ولا تجد من يعني بأمرها ويرعاها بالسقي والحرث ويشذب أغصانها ويقوم إعوجاجها فتنمو سقيمة ويأتي ثمرها كالعلقم تعافه النفوس وتتقزز منه الطباع.
وإذا ما بلغت البنت سن المراهقة انقطعت عن الأكل مع أبيها وإخوتها خجلاً من نفسها وشعوراً بضعف مركزها ولأنها في الغالب تتولي بدل أمها خدمة أبيها على الطعام.
والزوجة في أغلب عائلات الطبقة الوسطى لا تأكل مع زوجها وتقوم بخدمته فتناوله الماء وألوان الطعام وذلك إذا لم يكن عنده خادمة أو بنت كبيرة. ولا تأكل عادةً إلا بعد فراغه.
فيا لها من عادة قاسية تكسر أنف المرأة وتذهب بكبريائها وتغرس في قلوب الأبناء احتقار الأمهات والإستخفاف بهن.