للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ـ فلماذا أنت وأمثالك في الحياة إذن أيتها الحمقاء وهل يكتب تاريخ البؤس إلا في صفحة من مثل هذا الوجه؟

سيدتي! هبيني خادماً أحسنت إليها.

ـ فلتكوني خادماً طردتها إن بلغت أن تكوني خادماً لمثلنا.

ـ يا ويلتا! إلا رحمة في قلبك فتجودي علي بما لا بأس عليك منه؟

ـ ولماذا أفضلك على سائر الفقراء؟ ينبغي أن أجود عليهم جميعاً إذا أنا وجدت عليك ولو فعلت لطلبت بعد ذلك من يجود علي.

سيدتي! ألا فاجعليني من نصيبك في الإحسان وغيري من الفقراء له غيرك من الأغنياء على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.

ـ إذاً فكوني أنت من نصيب غيري ودعي غيرك لي سيدتي! ليس فقري عن خطأ مني وليس غناك عن صواب منك وما الرزق يا سيدتي من فضل الحيلة.

ـ وهل أنا أريد أن أعاقبك فتنتفي من الخطأ.

ـ رجماك واتقي الله في الإنسانية فلعل في قصرك الباذخ كلبة جعلتها أحسن حالاً مني.

ـ حينما تصيرين مثلها فتعالي إلينا ويومئذٍ تعرفين كيف تطرد الكلاب.

قال الشيخ علي: فكبر ذلك على الفتاة وانتبهت في نفسها فضيلة الفقر فرأت أنها تنظر من ضمير تلك السيدة في مرآة مقلوبة من مرائي الإنسانية مهما جهدت أن تستقيم لها لم تزدها إلا مسخاً. هنالك غلبتها عيناها وانطلقت وراء دموعها ولم تجد لها عزماً.

أما السيدة الكريمة - كما يقال فابتلعت ما بقي في فمها من تلك الفلسفة وافتر ثغرها قليلاً عن ابتسامة السخرية وسرها أن يكون في لسانها كل هذا النطق. . . ثم أنغضت رأسها بكبرياء وقالت: مسكينة مسكينة ومرت بعد ذلك لا تلوي.

وسمع الله قولها إذ تجادل الفتاة وقد ربت في ثيابها من الغيظ وتنفشت كالإسفنج فأطلق عليها دموع البائسة وإن هذه لتأنس راحة في البكاء لم تعهدها من قبل فانزوت جانب الطريق وجعلت تبكي ثم تبكي ثم تبكي حتى لو جمعت دموعها لغمرتها وقد جمعها الله وأرصدها من أقداره لتلك الإسفنجة وقضى ربك ألا تعصر بعد اليوم إلا دموعاً.

كانت السيدة فتاة كطلعة البدر في الرابعة عشرة لا تصفها إلا مرآتها وهي الدنيا مجموعة