بيد أني وإن طاولت التعب فيما استطعت من الاتقان والتجويد، وحسبت زمني في إغفال حسابه كأنه عمر قديم ليس فيه يوم جديد، لا أقول إني أتيت منهُ على آخر الادارة، ولا أزعم أني أوفيت على الغاية من الإفادة فذلك أمر تنصرم دونه أعمار، وللكمال عمر لا يحسب بالسنين ولكن بالإعصار، وجهد ما بلغت من همة النفس أن أكون بنجوة من التقصير، وإن أدل بما جمعته من حوادث التاريخ على أن عمر التاريخ غير قصير، ولقد رميت في ذلك المرمي القصى، وعالجت منه الطيع والعصى، ولو أن لي قلماً ينفض مداده شباباً على الإفهام، ويكون في جنة هذا التاريخ آدم الأقلام لخرج منها وليس عليه من حلته، إلا مثل ما هبط به آدم من ورق الجنة في قلته.
بيد أن الورقة من أحدهما تعد في بركتها بأشجار، ومن الآخر تعدل في منفعتها بأسفار، وحسبي ذلك عذراً أن جريت على العادة في تقديم الأعذار.