للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طلباً للسلب والنهب فالخطر المحدق بالقبيلة كان عظيماً جداً ولا طاقة لها على دفعه إلا إذا كانت قوية ولا تكون قوية إلا إذا كان الأمن مستتباً بين أفرادها فكان كل ما من شأنه أن نحل بهذا المر يقع بالقوة مهما كان تافهاً ويعاقب مقترفه عقاباً صارماً لخطورة الحال كما بينا. فكانت الآداب إذ ذاك صارمة والقوانين قاسية وحرية الفرد معدومة ودائرة العقاب واسعة تشمل تقريباً كل شيء، قل أن توجد هفوة ولو تافهة ولا يكون لها عقاب، وجملة القول أن أسلافنا كانوا لا يميزون بين الآداب والقوانين وكانت قوانينهم كلها جنائية وكانت العقوبات شديدة للغاية.

ولم تتلطف الآداب ولم تنقشع عنها غياهب القوة ولم تتهذب القوانين ولم تستنشق الأفراد الحرية إلا بعد أن قلت الغارات والحروب وأمن الناس جيرانهم واندمجت القبائل في بعضها وصارت أمماً - أما القبائل التي لبثت على حالها ولم يصادفها هذا التطور لفقدان أسبابه بينها فلا تزال شديدة البطش بأفرادها تأخذهم بالقوة والقسوة محافظةً على كيانها وليس للفرد إزاءها شخصية بالمعنى الذي نفهمه نحن الآن.

وكلما ارتقت الأمة في مدرج الحضارة والمدنية ارتخت قيود الأفراد وزاد نصيبهم من الحرية الأدبية واتسع لهم المجال في القول والعمل وقل افتيات المجموع وتعرضه للفرد لها بقية.