للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كرسي جمهورية العفاريت في الأرض!

نقول هذا غير قاصدين إلى معارضة الأستاذ سيزار لومبروزو في أبحاثه التي بسطها في كتابه الرجل العبقري ولا ذاهبين إلى إنكار مذهبه من أن ليس بين الجنون والنبوغ إلا خيط ضعيف وإن أعراض العبقرية لا تكاد تختلف كثيراً عن مظاهر الجنون. ولكنا بعد نعدها حقائق مرة أليمة، ولكن العلم لا يسأل عن الألم، ولا يكترث بالعواطف، وإنما هويتهم بالنتيجة، وينظر إلى الغاية، وقد سرنا من لومبروزو أنه لم يستطع أن ينكر أسفه لهذه النتائج الخطيرة التي أنزلت أكبر مظاهر القوة الإنسانية إلى مستوى البلاهة والمرض والإنحطاط ولكن لا ترى الطبيعة نفسها أبت إلا أن ينبت الياسمين بجانب القراص، ويطلع الورد على مقربة من خانقة الذئب. وهل ترون العالم النباتي يستحق اللوم والتأنيب أن اهتدى إلى هذه النتائج، وهل تعد جريمة منه أن ينهي إلى الناس أمرها.

وقد كان المؤرخون إلى هذا العهد قصاصين فقط ومحدثين، وكانوا مزامير ليس غير للأمراء والملوك وقادة الحروب، ومضرمي نيران القتال، ولم يهتموا بتحليل نفسيات النوابغ وتشريح أرواح العبقريين، فلم ينقلوا إلينا شيئاً عن اضطرابهم وأمراضهم وأعراض انحطاطهم. وأبت نزعة الكبرياء والزهو والغرور على هؤلاء النوابغ أن يبسطوا للعالم أسرارهم، اللهم إلا قليلون منهم كاردان وروسو وستورات ميل وموسيه ولامارتين، ولعمري من كان يظن أن ريشيليو كان مريضاً بالصرع، لو لم تزره النوبة، وهو في مجلس من مجالسه ومن كان يعلم أن كافور الطلياني الكبير حاول الإنتحار مرتين، لو لم يضع برتي ومايور كتابيهما عنه، ومن كان يعرف جنون كارليل لو لم تئن بالشكوى زوجته.

ونحن هنا نقول أن كثيراً من أمراض النوابغ وجنونهم يرجع إلى الوراثة، وذلك في الذين ينحدرون من آباء سكيرين أو مزهورين أو معتوهبن أو مصدورين، وغير ذلك، أو من أسباب عارضة مختلفة، والأعراض التي ترى عليهم هي في الغالب فقد الحاسة الأدبية، والتجرد من العاطفة، والنزاع إلى الشك والوسوسة وفقد التوازن إما بزيادة في قوة من قوى العقل (كالذاكرة مثلاً أو الذوق الفني أو غيرهما) أو ينقص في غيرها (كقوة الحساب مثلاً) والتناهي في الصمت أو المغالاة في الثرثرة، والغرور، وتقلب الشخصية، والأنانية، وجعل