للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تدع مكاناً للاعتقاد بثبات الأخلاق والغرائز المولودة مع المرء.

على أن القول هناك أخلاقاً غريزية وجدت في الطبيعة الإنسانية يؤدي طبعاً إلى القول بأن عناصر الخلق الأصلية الجوهرية أي الأميال لا سبيل إلى تعديلها أو تبديلها بوجه من الوجوه وأنه قد قضي عليها بأن تبقى كما هي إلى أبد الآبدين وهو قول ينقضه من أساسه ما نحس به في باطننا وما نستفيده من التجارب وما أحصاه المشتغلون بالتربية والقوام على النفوس ولا يتفق مع ما يقع كل يوم للناس جميعاً في أعمالهم ومعاملاتهم ولقد أقمنا الأدلة القاطعة في الفصل الثاني من الباب الثالث على أن شيئاً من ذلك لم يكن وإن في استطاعة المرء تعديل عاطفة من العواطف بتقويتها وإنمائها أو منعها وكبح جماحها ولو لم يكن الناس كلهم على هذا الرأي لما رأيت ثم حاجة إلى تربية الأطفال ولتركة لهم الحبل على الغارب ووكلت أمرهم إلى الطبيعة تتصرف فيهم على مقتضى نواميسها التي لا تتغير ولا تتبدل.

هذه الملاحظات النظرية كافية في تفنيد ما زعموه من ثبات الأخلاق وعدم قابليتها التغير والتبدل. وإن شئت أيها القارئ الزيادة من النظر في هذه المسألة فعليك قراءة المؤلفات الحديثة عن موضوع الخلق ولاسيما الجزء الثالث من كتاب المسيو بوهان، أقرأ هذه الكتب والمباحث تجد فيها أن الأكثر الأغلب أن الإنسان كأنما ينطوي في أنحاء نفسه على أشخاص عديدين مختلفي المذاهب متنوعي المشارب وإن الإنسان كلما تدرج في سبيل الرقي الأخلاقي والتطور نحو الكمال انعدمت في نفسه أميال وقامت مقامها أميال أخرى جديدة وكثيراً ما تجد للإنسان أميالاً وأحوالاً لم تكن موجودة لديه من قبل كلما تقدم في السن، بل كثيراً ما يتبدل خلق بخلق آخر وصاحبهما واحد. أليس ذلك كله دليلاً على أن وجود خلق ثابت لا يتغير أمر أعز من بيضة الديك.

نرى نفوس أكثر الأطفال حافلة بالأميال والأهواء المتضاربة المتناقصة المشوشة. وما وظيفة التربية غير إيجاد النظام في هذه الفوضى والعمل على تثبيت بعض الأميال في نفوس الأطفال حتى تمتاز عما عداها وتصير قوية الأركان راسخة الدعائم. وبيناً المربي آخذ في عمله وقد أدرك شيئاً مما يبتغيه من تثبيت بعض الملكات والأخلاق الصالحة ومقاومة الملكات الخبيثة المرذولة والجد في محوها إذ بالطفل وقد بلغ أشده وتخطى دور