للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرومي الأمرّين ووقع منه في كبد أيّ كبد ومن ثم انتشر عليه الأمر وذهب في أكثر شرحه مذهب ذلك الشيخ الذي أنشد قول العباس بن الأحنف:

قلبي إلى ما ضرني داعي ... يكثر أسقامي وأوجاعي

كيف احتراسي من عدوي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي

إن دام لي هجرك يا مالكي ... أوشك أن ينعاني الناعي

فلما سمعها بكى، ثم قال: هذا شعر رجل جائع في جارية طباخة مليحة، فقيل له من أين قلت ذاك، قال لأنه بدأ فقال - قلبي إلى ما ضرني داعي - وكذلك الإنسان يدعوه قلبه وشهوته إلى ما ضره من الطعام والشراب فيأكله فتكثر علله وأوجاعه وهذا تعريض، ثم صرح فقال - كيف احتراسي. . . البيت - وليس للإنسان عدو بين أضلاعه إلى معدته فهي تتلف ماله وهي سبب أسقامه وهي مفتاح كل بلاء عليه، ثم قال - إن دام لي هجرك. . . البيت - فعلمت أن الطباخة كانت صديقته وأنها هجرته ففقدها وفقد الطعام فلو دام ذلك عليه لمات جوعاً ونعاه الناعي. . . . .

ولسنا الآن على نية أن نتعقب هذه الهنوات التي يخطئها العد والتي لو عرضت على ابن الرومي وكان حياً لكان بطن الأرض أحب إليه من ظهرها ولكنا نذكر هنا مثالاً منها إلى أن يوفق الله بعض الأدباء فيستدرك على الكتاب الأخطاء التي جعلتنا نرحم الأستاذ ونرثي له وإن كان الأستاذ معذوراً في ذلك العذر كله لأنه لم يدفع إلى مضايق الشعر، ولا يفهم الشاعر عمرك الله إلا شاعر مثله والأستاذ ممن غذى بلبان الحقائق العلمية والقواعد الثابتة المقررة وعلى ذلك نشأ ثم توفر أخيراً على العمل الإداري وألف نظامه الحسي الواقعي فكيف وتلك حاله تراه ينساب مع مثل ابن الرومي ويستطيع أن يبعد معه في تصوراته الشعرية الخيالية - أما المثال الذي نذكره هنا ونجتزئ به الآن فهو البيت الذي حير الأستاذ وجعله في غماء من أمره وهو البيت الذي أقامه وأقعده وأتى به في كلمته الافتتاحية مثالاً من الأمثلة التي تعترضه في الديوان وتربكه ثم هو بحذقه يخرجها أحسن تخريج. . . وهو هذا البيت الذي جاء في وصف الموز.

يشهد الله إنه لطعام ... خرّ هيّ يغازل الحسناء

قال الأستاذ فكلمة (خرهي) بالخاء لا توجد في العربية وليست من المعرب ولا الدخيل