للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يوم، ولكنهم لا يفهمون كنهها حتى يحين الوقت لظهورها فيعثر عليها ذهن من الأذهان الحاضرة البديهة فيعلنها للناس.

نقول أن فلسفة برجسون سهلة للغاية ولا تحتاج إلى كبير عناء في تفهمها، والسبيل الأول لإدراكها هو أن نعلم أننا إذا أردنا أن نفهم حقائق الكون فعلينا أولاً أن نفهم معنى الحياة وهذا هو الذي يميز فلسفة برجسون عن جميع المبادئ الفلسفية القديمة والحديثة والمعاصرة لأن الذهن أو العقل إنما وجد لخدمة أغراض هذه الحركة المستمرة التي نسميها الحياة وكذلك وجد العلم لأجل الحياة، ولم توجد الحياة لأجل العلم، ولسنا نستطيع سبيلاً إلى فهم أسرار المعلوم والمجهول بعقولنا كما يقول الإيدياليون أو طلاب الكمال الإنساني ولا في العالم الخارجي الذي يحوطنا كما يقول الطبيعيون ولكن سبيلنا إلى فهم تلك الأسرار هي الحياة.

إن برجسون يعتقد أن أكبر واجبات الفلسفة هو أن تفعل ما لا يستطيعه العلم الطبيعي، وهو فهم الحياة، فإن تحول الحياة الذي لا ينقطع وتطور حركاتها ومظاهرها هو الذي بعث العقل إلى معرفة الجامدات وجعل لهذه الجامدات أو إن شئت فقل المادة مظهر الوجود الجامد الباقي على حالته في الكون ولكن الكون ليس مادة جامدة ولا عقلاً حياً مفكراً، ولكن تطوراً منتجاً متحولاً.

ويلوح لنا كأن هناك حركة دائمة تدفعنا جميعاً في تيارها الجارف، ومعنى الوجود هو الاندفاع مع ذلك التيار كاندفاع الشيء فوق صدر الأمواج فإن الحاضر وهو الذي يضم بين جوانبه جميع سلسلة الوجود هو نفس هذه الحركة وهي سائرة في طريق إتمام نفسها، وهو أي الحاضر يضم الماضي في طيه ويسير به معه، منطلقاً إلى المستقبل وهذا المستقبل لا يلبث أن يكون حاضراً، وهذا هو الحياة، أي هي تحول مستمر لا انقطاع له يحتفظ بالماضي وينشئ المستقبل.

والصعوبة في فهم هذه الصورة هي كيف يمكن أن يكون هناك حركة مطلقة وتحول مطلق وصيرورة مطلقة، إذ لا بد أن يكون هناك غرض باعث يحرك ويحول ويصير، ولا بد أن يكون هذا أكثر حقيقة من الحركة نفسها، وهي - أي الحركة - ليست إلا تحولاً عن مكانه، وأكثر حقيقة كذلك من صيرورته، وهذه ليست إلا تحولاً عن صورته، وهذه الصعوبة هي