للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن لا يؤدي هذا الزنبلك الصغير عمله والأداة متحركة دائرة ولذلك ها أنا ذا. . .!

كان الثالث عشر من أكتوبر يوم شغل شاغل إذ كنت موكلاً بتوصيل رسالة من أهم الرسائل إلى انجلترا، وكانت في رمز علمت منه أنها تختص بالحصر البحري وكان عليّ أن أدفع بها إلى ربان سفينة سويدية نبئت أنها تبعد عشرة أميال من ثغر يار موث وعليه هو أن يتم الباقي، ولما كانت الرسالة ينبغي أن تكون لدى الربان في الساعة الثامنة من المساء ولم يبق على الموعد إلا خمس ساعات أطلقت لقاربي الحد الأقصى من سرعته.

وستبقى الخمسة أميال الأخرى ماثلة في خاطري يد الدهر، فقد سدد أحد القوارب الانكليزية المستكشفة المرمى علينا ولكنه أخطأنا بأربعين ياردة، فغطسنا في الحال وأجبناه بناسفة من نسائفنا.

ويلوح لي أن الطوربيد أصاب مخزن بارود تلك السفينة.

ولم أجد من الوقت متسعاً لإنقاذ القوم، لأن الرسالة التي كلفت بها كانت تستحثني فتركتهم لأمرهم يفعل القضاء بهم ما يريد. . .

أول يناير سنة ١٩١٥

كنا على قاب قوسين أو أدنى من الهلاك في أول أيام العام الجديد لو لم تنقذنا المعجزة، فقد كادت تهوى بنا سفينة كبرى من سفن الأعداء.

وذلك أنني قبل وشك الساعة الثالثة من الصباح انطلقت أستلم من فرتز نوبتي في الحراسة، وكان يرقب الغواصة الليل كله، ولم يغمض لي جفن طول تلك المدة، ولم يأخذ عيني الكرى، وأسهدتني وساوس مختلجة في صدري من تلك الوساوس التي تهجس في الخاطر، قبل وقوع مصاب، أو حادث سيء، ذلك الإحساس الأليم الذي يشعر به الإنسان من حين إلى آخر قبل نزول النازلة، ولكن كنت أرد السبب إلى ذكرى مينا وكنت أوجس شراً أن يكون قد ألم بها أمر أو وقعت لها ملمة، ولم تستطع الصلاة، ولم يغن الابتهال - ذلك البلسم العذب الذي يدمل جراحات النفوس ويطفئ آلام الذهن - عني في تلك المرة شيئاً، ولم يفد في تخفيف جزعي، وتهدئة اضطرابي.

وكان فرتز قد أنهكه التعب، فسره أن يفلت من الحراسة ومضى إلى مخدعه طلباً للراحة، ولم يكد يتركني، حتى سمعت صوتاً لا يجهله رجال الغواصات، صوتاً بدا خافتاً ولكنه عاد